الحمد لله.
لا شك أن إعانة المسلم ، وتفريج كربته ، وسد خلته وعوزه ، وكف ضيعته ، كل ذلك من مقتضيات موالاته التي وجبت له بأصل إيمانه ، كما قال الله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة/71 . وإلى ذلك يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ ) رواه أبو داود (4918) وحسنه الألباني .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( يَكُفّ عَلَيْهِ ضَيْعَته ) : أَيْ يَمْنَع تَلَفه وَخُسْرَانه . قال ابن الأثير : وَضَيْعَة الرَّجُل مَا يَكُون مِنْ مَعَاشه كَالصَّنْعَةِ وَالتِّجَارَة وَالزِّرَاعَة وَغَيْر ذَلِكَ ، أَيْ يَجْمَع إِلَيْهِ مَعِيشَته ، وَيَضُمّهَا لَهُ
وقوله : ( وَيَحُوطهُ مِنْ وَرَائِهِ ) : أَيْ يَحْفَظهُ وَيَصُونَهُ وَيَذُبّ عَنْهُ بِقَدْرِ الطَّاقَة . [ انظر : عون المعبود ]
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ـ وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ـ ) رواه البخاري (481) ومسلم (2585) .
قال النووي : " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضه بَعْضًا ) صَرِيح فِي تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم وَالْمُلاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلا مَكْرُوه ) .
والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة الصحيحة كثيرة في هذا المعنى ، وفي جميعها تعليق للموالاة والنصرة والحيطة بأسماء الإيمان والإسلام ، فالواجب أن يكون ذلك هو أساس الحب والبغض ، والعطاء والمنع ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ تَعَالَى وَمَنَعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَحَبَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَبْغَضَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَحَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ ) أحمد (1519) والترمذي (2521) وأبو داود (4681) وحسنه الألباني .
وإذا كان الناس متفاوتين في معاني الإيمان والإسلام ، فبعضهم أتقى لله ، وأعظم استكمالا لهذه المعاني من بعض ، فكذلك يتفاوت ما لكل واحد من حقوق الموالاة ، بمقدار تحقيقه هذه المعاني ، وإن اشتركوا في أصل الموالاة الواجبة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ 28/ 209 ] :
( الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله ، فيكون الحب لأوليائه ، والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه ، والإهانة لأعدائه ، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه . وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر ، وفجور وطاعة ومعصية ، وسنة وبدعة ، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير ، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر ، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة ، فيجتمع له من هذا وهذا ، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته .
هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة.. ) .
وعلى هذا الأصل العام ينبني الجواب عن هذا السؤال .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
( البدعة منها ما يُعذر فيه الإنسان ، ومنها ما يصل إلى درجة الفسق ، ومنها ما يصل إلى درجة الكفر ؛ فأصحاب البدعة المكفرة لا تجوز معونتهم إطلاقا ، وإن تسموا بالإسلام ، لأن تسميهم بالإسلام مع الإقامة والإصرار على البدعة المكفرة ، بعد البيان ، يُلحقهم بالمنافقين الذين قالوا نشهد إنك لرسول الله ، فقال الله تعالى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) المنافقون/1 .
أما البدع المفسقة ، أو التي يعذر فيها الإنسان بعذر سائغ ، فإن بدعتهم لا تمنع معونتهم ، فيعاونون على أعدائهم الكفار ، لأنهم لا شك خير من هؤلاء الكفار . ) الباب المفتوح ، اللقاء الثاني 1/66 .
لكن ينبغي أن يُمنعوا من صرف هذه الأموال في إقامة بدعتهم ، أو نشرها ، فإن علم منهم ، أو غلب على ظن المعطي أنهم يستعينون بها على بدعتهم ، ولم يمكن منعهم من ذلك ، ولا صرفها في حاجاتهم المباحة ، فإنهم لا يُعطون من هذه الأموال ، لما فيه من إعانتهم على إثمهم ، وقد قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
تعليق