الجمعة 7 جمادى الأولى 1446 - 8 نوفمبر 2024
العربية

حول طاعة الوالدين الكافرين , ونسب ولد الزنا

220070

تاريخ النشر : 20-09-2014

المشاهدات : 52986

السؤال

ارتبطت بامرأة خارج إطار الزوجية ، وأنجبت منها طفلاً هو الآن في التاسعة من العمر، وتركتها منذ ثلاث سنوات ، ثم اعتنقت الإسلام بعد ذلك بعام واحد ، وتزوجت امرأة مسلمة متدينة- والحمد لله- وما زال ابني يعيش مع أمّه معظم الوقت . وفي الآونة الأخيرة اقترحت زوجتي الانتقال إلى مدينة أخرى حيث يوجد مسجد وكثير من المسلمين ، وليست بالمدينة البعيدة ، لكنّ أمي وزوجها (الغير مسلمين) عارضا الفكرة ولم يتفهماها، ولعل المعارضة نابعة من حقيقة أنهما لا يحبان زوجتي لكونها مسلمة . أعلم تمام العلم أنه لا بد من طاعة الوالدين حتى وإن كانا على غير الإسلام ، لكن السؤال هو: إلى أي مدى تجب طاعتهما ؟ كل ما أريده هو ترتيب حياتي والعيش مع زوجتي بالصورة التي نراها صحيحة ، ولا أنوي قطع العلاقة مع والديَّ أو ابني أو أحد من العائلة . فما نصيحتكم لي في هذه الحالة ؟ لأن أبوي غاضبان وقد هجراني وامتنعا عن الحديث معي . وما حكم الشرع فيما يتعلق بوضع ابني ؟ وإلى من يُنسب ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :
هنيئا لك أيها السائل الكريم دخولك في الإسلام دين الحق والفطرة التي فطر الله عباده عليها , ونسأل الله سبحانه أن يثبتك على دينه ، وأن يقيك شر شياطين الإنس والجن .
أما بخصوص والديك الكافرين : فيجب عليك برهما وصلتهما ومصاحبتهما بالمعروف , قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 14، 15 .
جاء في " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني " (2 / 290): " (ومن الفرائض) العينية على كل مكلف (بر الوالدين) أي الإحسان إليهما (ولو كانا فاسقين) بغير الشرك , بل (وإن كانا مشركين) للآيات الدالة على العموم، والحقوق لا تسقط بالفسق ولا بالمخالفة في الدين" انتهى.

أما بخصوص طاعة الوالدين الكافرين في المعروف , فقد اختلف العلماء في وجوبها , فذكر جمع من العلماء وجوب طاعتهما أيضا فيما ليس بمعصية لله سبحانه .
جاء في " الآداب الشرعية والمنح المرعية " (1 / 437) : " وظاهر ما سبق وجوب طاعة الوالد وإن كان كافرا , وجزم به صاحب النظم , وظاهر كلامه في المستوعب السابق في قوله : (وإن كانا فاسقين) أن الكافرين لا تجب طاعتهما , ويوافقه ما ذكره الأصحاب : أنه لا إذن لهما في الجهاد ، تعين عليه أم لا" انتهى .
لكن إن ظهر من أمر الوالدين الكافرين قصد صدِّ ولدهما عن الإسلام ، أو عن شرائعه وفرائضه ، أو عما هو أنفع له في دينه ، وأدعى له إلى تعلمه وتفقهه في أمر الدين : فلا تجوز طاعتهما قطعا .
وعلى ذلك : فلا يجب عليك طاعة والديك في ترك الانتقال لهذا المكان الذي فيه مصلحة لك ولزوجك في أمور دينكما .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، عن أب يمنع ابنه من حضور مجالس الذكر والدروس العلمية ، ونتج عن ذلك أن هذا الولد ترك الالتزام ، واتجه للأفلام وما شابهه من المحرمات ، هل يعتبر فعل هذا الوالد من الصد عن سبيل الله ؟ وهل يطاع في هذه الحالة ؟
فأجاب : "إذا نهاك أبوك أو أمك عن حضور المجالس فلا تطعه ؛ لأن حضور مجالس الذكر خير، ولا يعود على الوالدين بالضرر ، فلهذا نقول : لا تطعهما ، ولكن احرص على أن تداريهما ، ومعنى المداراة : ألا تبين أنك تذهب إلى حلق الذكر كأنك تذهب إلى أصحابك أو ما أشبه ذلك .
أما بالنسبة للأب والأم اللذين يمنعان الولد من حضور مجالس الذكر ، فإن منعهما من الصد عن ذكر الله ، وهما آثمان في ذلك ، والذي ينبغي للأب والأم إذا رأيا ولدهما قد أقبل على العلم ، أن يستبشرا بذلك ، وأن يساعداه بكل ما يستطيعان ؛ لأن هذا من نعمة الله عليه وعليهما ، فمن الذي ينفع من الأولاد إذا مات الإنسان ؟ الولد الصالح ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولدٌ صالح يدعو له) " .
انتهى من " لقاءات الباب المفتوح " رقم (99) ص (9) .

والنصيحة لك في هذا المقام : أن تنتقل إلى هذا المكان الذي يوجد به المسجد , ويكثر فيه إخوانك المسلمون ، لتتعاون معهم على البر والتقوى وطاعة الله سبحانه وتعالى.

ولا يفوتنا أن نذكرك بالاجتهاد في دعوة والديك للحق ، فهما أحوج ما يكون لذلك ؛ إنقاذاً لهما من الكفر والإثم ، وعليك سلوك الطرق الحكيمة في دعوتهما ، والاجتهاد في الإحسان إليهما ، بما يمكنك .

ثانيا:
أما بخصوص هذا الولد الذي أنجبته من العلاقة المحرمة : فلا ينسب إليك بحال ؛ بل ينسب إلى أمه التي ولدته , وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش , وللعاهر الحجر" رواه البخاري (2053) ، ومسلم (1457) .
لكن إن كانت المرأة التي مارس معها الرجل الرذيلة غير متزوجة , فقد رجح جمع من أهل العلم أنه يجوز للزاني حينئذ أن يستلحق ولده منها , يعني : أن ينسبه إليه .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (85043).
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب