الحمد لله.
أولا :
هذا الحديث رواه مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي ) .
وهذا الحديث يدل على أن أم النبي صلى الله عليه وسلم ماتت كافرة وأنها من أهل النار . وقد أجمع على ذلك العلماء المتقدمون .
ووجه الدلالة من الحديث : أن الله تعالى إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار للكفار ، فقال تعالى : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/ 113 ، فلولا أن أمه صلى الله عليه وسلم من هؤلاء لما نهاه الله تعالى عن الاستغفار لها .
وقد وردت نصوص أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحة في أمه أنها في النار .
فروى الإمام أحمد (23003) عَنِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَزَلَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَهُ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ رَاكِبٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَفَدَاهُ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَكَ؟ قَالَ: ( إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي فِي اسْتِغْفَارٍ لِأُمِّي ، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنَ النَّارِ ).
صححه محققو المسند ، وكذا الألباني في "الإرواء" (3/224) .
وروى الإمام أحمد (16189) عَنْ أَبِي رَزِينٍ رضي الله عنه قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيْنَ أُمِّي؟ قَالَ: ( أُمُّكَ فِي النَّارِ ) ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ؟ ، قَالَ: ( أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي )" ، قال الهيثمي : " رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات " انتهى من "مجمع الزوائد" (1 /313) . وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (1/344) بشواهده .
فهذه نصوص صريحة واضحة في أن أم النبي صلى الله عليه وسلم في النار .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إنَّ الْخَبَرَ عَمَّا كَانَ وَيَكُونُ لَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ؛ كَقَوْلِهِ فِي أَبِي لَهَبٍ: (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) وَكَقَوْلِهِ فِي الْوَلِيدِ: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) . وَكَذَلِكَ فِي: (إنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّارِ) وَ (إنَّ أُمِّي وَأُمَّك فِي النَّارِ) وَهَذَا لَيْسَ خَبَرًا عَنْ نَارٍ يَخْرُجُ مِنْهَا صَاحِبُهَا كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ الِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَلَوْ كَانَ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ إيمَانُهُمَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيمِ، وَمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ مُمْتَنِعًا " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 326).
ثانيا :
لا نعلم أحدا من أهل العلم خالف في أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر وأنهما في النار إلا بعض المتأخرين ، أما المتقدمون : فلا يعرف خلاف بينهم في ذلك .
قال القاري رحمه الله :
"وَأما الْإِجْمَاع : فقد اتّفق السّلف وَالْخلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَسَائِر الْمُجْتَهدين على ذَلِك من غير إِظْهَار خلاف لما هُنَالك ، وَالْخلاف من اللَّاحِق [يعني : المتأخر] لَا يقْدَح فِي الْإِجْمَاع السَّابِق" .
انتهى من "أدلة معتقد أبي حنيفة في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام" (ص 84) .
وينبغي ألا تأخذ هذه المسألة أكثر من حقها في البحث ، وكثرة الجدال .
وانظر جواب السؤال رقم : (47170) .
والله تعالى أعلم .
تعليق