الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

أنجبتها أمها المسلمة من زواج برجل نصراني وتسأل عن حكم علاقتها بأبيها وبأخواتها غير المسلمات

السؤال

أنا فتاة مسلمة أعيش في الغرب ، وللأسف تزوجت أمي المسلمة من رجل نصراني (أبي) في محكمة مدنية حيث عاشت معه لمدة 20 عاماً ، وأنجبت منه سبعة أطفال كنت أنا من ضمنهم ، ولكن افترقوا بعد هذه المدة ، والحمد لله على ذلك ، وقد ترك أهلي لنا الخيار في أن نختار الدين الذي نريد عندما نكبر ، وبحمد لله اعتنقت بعض أخواتي الإسلام ، بينما اعتنقت اثنتان من أخواتي الدين النصراني حيث تم تعميدهن بعد بلوغهن وتزوجا من نصارى ، ولم أحضر حفل زفافهما ولا أتواصل معهما على الإطلاق ، وذلك لأنني أعرف أنه إن كانت الأم مسلمة فإن أطفالها يكونون مسلمين تلقائياً ، وعليه : إذا تم تعميد أي منهم بعد سن البلوغ فإنّ ذلك يعد ردة عن الإسلام. ولكن أمي وأخواتي المسلمات يتعاملن معهما بلطف ، ويطلبن مساعدتهما معهن وكأنهما مسلمات . لذا أرجو توضيح ما يلي : كيف ينبغي لي التعامل مع أخواتي غير المسلمات حسب القرآن والسنة ؟ وما هي واجباتي تجاه أبي غير المسلم ؟ وهل يجوز طلب المساعدة من أخواتي النصارى ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :
زواج المسلمة من كافر أمر محرم بلا خلاف بين المسلمين ، وهو من كبائر الذنوب التي توجب سخط علام الغيوب ، قال الله تعالى : ( وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) البقرة/ 221 ، وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) الممتحنة/ 10 .
وإذا حصل هذا العقد فإنه يكون باطلا ، ومن علم بحرمته واستحله فإنه يكون كافرا بلا خلاف .
ويراجع حكم هذه المسألة في الفتوى رقم : (170862).
ثانيا :
نص الفقهاء على أن الولد يتبع خير الأبوين دينا ، وهذا يتصور في بعض الأحوال منها: ما إذا نكح المسلم كتابية فإن الولد يكون مسلما ، ومنها ما ذكره العلامة ابن عابدين الحنفي بقوله " وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا ، هَذَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ الْعَارِضِ ، بِأَنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَ ، أَوْ أَسْلَمَتْ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْآخَرِ" انتهى من " الدر المختار وحاشية ابن عابدين " (3 / 196).
وجاء في " البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (2 / 205) :" أسلم أحد أبويه : يُجعل مسلما تبعا سواء كان الصغير عاقلا أو لم يكن ؛ لأن الابن يتبع خير الأبوين دينا " انتهى.
ولو حصل وتزوجت المسلمة من كافر ، فإن هذا النكاح مع بطلانه إلا أن الأولاد يتبعون الأم في الإسلام ، جاء في " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " (7 / 139) : " وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمَةً فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا ، أَوْ وَطِئَ أَمَةً مُسْلِمَةً فَوَلَدَتْ لَهُ : فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ ، وَيَرِثُ أَبَاهُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ كَافِرَةً لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إسْلَامُ أَحَدِ الْأَبَوَيْن " انتهى.
ثالثا :
إذا حصل وتزوجت المسلمة من كافر : فإن كانا يعتقدان صحة هذا النكاح ، جاهلين بتحريمه في شرع الله : ثبت به النسب ، لشبهة العقد الذي يعتقدان صحته ، وإن كانا عالمين بتحريم هذا النكاح ، لم يثبت به النسب .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وَإِذَا تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً ، وَهُمَا عَالِمَانِ بِالْعِدَّةِ ، وَتَحْرِيمِ النِّكَاحِ فِيهَا ، وَوَطِئَهَا، فَهُمَا زَانِيَانِ ، عَلَيْهِمَا حَدُّ الزِّنَا، وَلَا مَهْرَ لَهَا، وَلَا يَلْحَقُهُ النَّسَبُ ، وَإِنْ كَانَا جَاهِلِينَ بِالْعِدَّةِ ، أَوْ بِالتَّحْرِيمِ ، ثَبَتَ النَّسَبُ ، وَانْتَفَى الْحَدُّ ، وَوَجَبَ الْمَهْرُ، وَإِنْ عَلِمَ هُوَ دُونَهَا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَلَا نَسَبَ لَهُ ، وَإِنْ عَلِمَتْ هِيَ دُونَهُ ، فَعَلَيْهَا الْحَدُّ ، وَلَا مَهْرَ لَهَا، وَالنَّسَبُ لَاحِقٌ بِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى بُطْلَانِهِ ، فَأَشْبَهَ نِكَاحَ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ " انتهى من " المغني" (8/127) .
وينظر : "كشاف القناع" (13/44) ط الوزارة ، "مطالب أولي النهى" (5/579) .
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَأَفْتَاهُ مُفْتٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فَقَلَّدَهُ الزَّوْجُ وَوَطِئَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدِ : فَقِيلَ: إنَّهُ وَلَدُ زِنَا ؟
فَأَجَابَ:
مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالَةِ وَالْمُشَاقَّةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ اعْتَقَدَ الزَّوْجُ أَنَّهُ نِكَاحٌ سَائِغٌ : إذَا وَطِئَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ فِيهِ وَلَدُهُ ، وَيَتَوَارَثَانِ ، بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ بَاطِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، سَوَاءٌ كَانَ النَّاكِحُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا.
وَالْيَهُودِيُّ إذَا تَزَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ : كَانَ وَلَدُهُ مِنْهُ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ ، وَيَرِثُهُ ، بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ بَاطِلًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ .." ، وينظر تمام الفتوى : " مجموع الفتاوى "(34/13) وما بعدها .
واختار أبو حنيفة ثبوت النسب مطلقا ، ولو كانا عالمين بالتحريم ، لوجود صورة العقد ، خلافا لصاحبيه .
ينظر : "المبسوط" للسرخسي (17 / 133) ، "أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام" ، د. عبد الكريم زيدان (291-292) .
رابعا:
يعلم مما سبق أن أختيك اللتين اختارتا النصرانية وتم تعميدهما مرتدتان عن الإسلام ، والمرتد عن الإسلام لا تجوز موادته ولا موالاته بل لا بد من بغضه والبراءة منه ؛ لقول الله تعالى : ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) المجادلة/22 ، وقال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام مع ابنه الكافر : ( وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ )هود / 45 ، 46 ، وقال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) التوبة/114.
ولكن يجوز لك أن تحسني إليهما بقصد تأليفهما للرجوع إلى الإسلام ، بشرط أن تأمني على نفسك الفتنة من الميل إليهم أو إلى ما هم عليه من الباطل .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة - 1 "(2 / 67) : " لا تجوز موادة الكفار، ولا مخالطتهم مخالطة تنشأ عنها فتنة ، أما مؤاكلتهم ومخالطتهم والإحسان إليهم بما يرغبهم في الإسلام فلا بأس به مع الأمن من الفتنة وعدم المودة " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم : (169985)  .
خامسا:
أما بخصوص والدك فالواجب عليك مصاحبته بالمعروف ، قال الله تبارك وتعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) لقمان/ 14 ، 15 .
قال ابن كثير رحمه الله : " أي : إن حَرَصَا عليك كل الحرص ، على أن تتابعهما على دينهما : فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً ، أي : محسنًا إليهما ، ( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) يعني : المؤمنين" انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 6 / 337).
ومما يدل على جواز صلة الوالد الكافر ما جاء عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : " قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : (نعم ، صِلي أمك) . رواه البخاري ( 2477 ) ، ومسلم ( 1003 ) . وعليك أن تبذلي جهدك معه في دعوته إلى الإسلام وتأليف قلبه على ذلك .
وينظر جواب السؤال رقم : (95588) ، ورقم : (27196) .
سادسا:
طلب المساعدة من الكافر سواء أكان قريبا أم لم يكن ، فيه تفصيل ، فإن كان لا يخشى منه ميل إليه أو مودة له بسبب إحسانه فلا حرج في طلب المساعدة منه وقبولها ، أما إن كان يخشى من ذلك ميل له أو فتنة بما هو عليه من الباطل فهنا لا يجوز قبول مساعدتهم ولا طلبها أصلا ، ثم ليطلب بعد ذلك المساعدة من إخوانه المسلمين ، وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : ما حكم طلب المساعدة من الكفار وقبولها؟
الجواب: " هذا فيه تفصيل فإن كان طلبها منهم وقبولها لا يخشى منه ضرر في الدين على من طلبها أو قبلها ، فلا حرج في ذلك ، وإن كان في ذلك خطر ، لم يجز له طلبها ولا قبولها؛ عملاً بالأدلة الشرعية الدالة على وجوب الحذر مما حرم الله ، والبعد عن مساخط الله .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض الهدايا من المشركين ، ولم يقبلها من آخرين ، والحكمة في ذلك هو ما ذكرنا ، كما نص على ذلك أهل العلم ، والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم " انتهى من موقع الشيخ رحمه الله على هذا الرابط
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب