الحمد لله.
أموال وقف المسجد هي أموال حُبِست على مصالح المسجد ، وعمارته ، وصيانته ، وما يتعلق بذلك من إقامة الدعوة إلى الله فيه ، وعمارته بالعلم النافع ، والعمل الصالح ؛ فما كان من ذلك : شرع صرف أموال الوقف فيه ، وما لم يكن منه ، لم يشرع صرف أموال الوقف فيه ، بل هي أمانة في يد المتصرف فيها ، لا يحل له أن يضعها في غير موضعها ، أو غير المصرف الذي حدده الواقف ، إن كان حدد لوقفه مصرفا معينا .
فإن وضعها في غير مصرفها المحدد شرعا ، أو المحدد من قبل الواقف ، وجب عليه أن يضمنها من ماله .
قال القرافي رحمه الله :
" اعلم أن كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا
بجلب مصلحة أو درء مفسدة ؛ لقوله تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ
إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ، ولقوله عليه السلام : ( من ولي من أمور أمتي
شيئا ، ثم لم يجتهد لهم ولم ينصح ، فالجنة عليه حرام ) " انتهى من " الفروق "
(4/39) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَعْنَى هَذَا ؛ فَإِنَّ وَصِيَّ
الْيَتِيمِ وَنَاظِرَ الْوَقْفِ وَوَكِيلَ الرَّجُلِ فِي مَالِهِ ؛ عَلَيْهِ أَنْ
يَتَصَرَّفَ لَهُ بِالْأَصْلَحِ فَالْأَصْلَحِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ، وَلَمْ
يَقُلْ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ حَسَنَةٌ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (28/250) .
وقال – أيضا – رحمه الله :
" إِذا تعدى النَّاظر فِي الْوَقْف ، مثل أَن يصرف المَال إِلَى من لَا يسْتَحقّهُ
، سَوَاء إِلَى نَفسه أَو غَيره . أَو فرط فِيهِ ، مثل أَن يدع اسْتِخْرَاج مَا يجب
استخراجه من مَال الْوَقْف : فَإِن الْوَاجِب ، إِذا لم يستقم ، أَن يسْتَبْدل بِهِ
نَاظر غَيره يقوم بِالْوَاجِبِ ، أَو يضم إِلَيْهِ أَمِين . ولمستحق الْوَقْف
مُطَالبَة النَّاظر بالمحاسبة على الْمُسْتَخْرج والمصروف الْمُتَعَيّن للأماكن
الْمَوْقُوفَة ، وَتعيين المستأجرين لَهَا لينظروا مَالهم ، ويستدلوا بذلك على
صَدَقَة فِيمَا يُخْبِرهُمْ أَو كذبة ، وعَلى عدله وجوره . فقد ثَبت فِي الصَّحِيح
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْمل رجلا يُقَال لَهُ ابْن اللتبية ،
فَلَمَّا رَجَعَ حَاسبه ، مَعَ أَنه كَانَ لَهُ ولَايَة فِي صرفهَا ، والمستحق غير
معيَّن .. " انتهى من " مختصر الفتاوى المصرية " (1/401-402) .
وينظر أيضا : " مجموع الفتاوى " (29/200-202) .
وبناء على هذا ؛ فأمثال هذه
المنازعات بين أمناء وقف المسجد ، حول من هو أحق بالإدارة ليست من مصلحة المسجد ،
وصرف أموال المسجد عليها ليس فيه تحقيق لمقصد الواقف ، فلا يصح صرف أمواله على هذا
المرافعات .
والله أعلم .
تعليق