الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

يريد أن يقتصر على الدعاء في سجوده ، بدلا من الدعاء عقب الصلاة ؟

220871

تاريخ النشر : 05-04-2015

المشاهدات : 38855

السؤال


هناك حديث فيما معناه : أنّ الله يغضب من العبد الذي لا يدعوه . فهل يجوز لي أن أدعو في السجود ، ولا أدعو بعد الصلاة ، كما هي عادة الناس ؛ لأنني لا أستطيع التركيز ، وأخشى من الرياء حينها . وقد قرأت في أحد الكتب حديثا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ينهى فيه عن الوقوف بعد انتهاء الصلاة مباشرة ، وأنّ ذلك كان سبباً في هلاك من كان قبلنا . وهذا الأمر يقلقني ، فأنا عادة أقف بعد انتهاء الصلاة مباشرة ، لذا أريد أن أعرف إن كان ذلك الحديث صحيحاً حتى أجتنب فعل ذلك ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
المستحب عقب الصلوات أن يشتغل المصلي بالاستغفار والذكر والتسبيح ، وما ذكرته من قيامك مباشرة عقب التسليم من الصلاة ، فوّت عليك أجراً عظيماً ، والثواب الجزيل من الله عز وجل ، والمسلم حريص على كل خير ، محب لكل عمل صالح يقربه إلى الله تعالى ، ويملأ صحائفه يوم الدين .
كما أن المسلم الخارج من الصلاة يستشعر خشوعها وخضوعها حتى بعد تسليمه منها ، وذلك أجدر به أن يستفيد من تلك الحالة القلبية المتصلة بالله سبحانه ، ويقتدي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فيستمر على الذكر والاستغفار الثابت عنه عليه الصلاة والسلام ، وقد سبق بيانها في الموقع في الأجوبة : (131850) ، (2355) ، (175771) .

ثانيا :
الدعاء عقب الصلاة المكتوبة من الدعاء المرغب فيه ، المرجو إجابته ، كما سبق شرحه وبيانه في جواب السؤال رقم : (145542) ، (164929) .

فالوصية لك الحرص عليه أيضاً ، فهو من المندوبات وليس من الواجبات ، ولو تركته لا إثم عليك ، وليس علامة على الهلاك أو الخسران لا قدر الله ، وإنما المقصود هو مجرد الحث عليه وتذكيرك به إذا وجدت في نفسك نشاطاً وإقبالاً .

ثم إن الدعاء في السجود ، هو أيضا من الدعاء المرغب فيه ، المرجو إجابته ، بل هو أرجى مواطن الإجابة ، وأقرب ما يكون العبد من ربه :
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رواه مسلم (482) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ [أي : جدير] أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» رواه مسلم (479) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم 175070 ورقم 22438.
فالذي ينبغي للعبد أن يحرص على الأمرين ، ويدعو في المقامين جميعا ، فهو أجدر أن يستجاب له .
ثالثا :
أما حديث: ( من لم يسأل الله يغضب عليه ) فقد أخرجه الترمذي في " سننه" (3373) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (2/114) من طريق أبي المليح ، عن أبي صالح الخوزي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ).
وأبو صالح الخوزي ضعفه يحيى بن معين ، وقال فيه أبو زرعة الرازي: لا بأس به. ينظر "الجرح والتعديل" (9/393) ، " تهذيب التهذيب" (12/131) .
ولذلك قال الحافظ ابن كثير : " وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ" انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/154).
وحسنه السيوطي في "الجامع الصغير" ، والشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (2654) .
وضعفه الشيخ الوادعي في " الفتاوى الحديثية " (2/35).
وليس في الحديث ـ على فرض صحته ـ ما يدل على وجوب الدعاء عقب كل صلاة ، أو في كل سجود ، وإنما المقصود به من يترك الدعاء مطلقا ، أو تكبراً واستغناءً ؛ فمثل هذا هو الذي يغضب الله عليه ، لما حرم نفسه من الخير والفضل الكبير ، وأعرض عن الخضوع لربه ، والافتقار إليه .
رابعاً :
خوف الرياء ليس عذرا لترك العمل الصالح ، بل من وقع في ذلك فقد وقع في حبائل الشيطان وشركه ، فهو إن لم يفسد عليك عبادتك بالرياء ، فقد حرمك من إنشائها أصلا في هذه الحالة .
والصواب أن تُقدِمَ عليها وتدافعَ الرياء جهدك .
وقد سبق بيان تلبيس إبليس على الناس بترك العمل خوفا من الرياء ، وذلك في الفتوى رقم : (21880) ، (45872).
فإياك أن تنزلق هذا المزلق ، فتضيع عليك أبواب كثيرة من الخير .
خامسا :
أما الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (2/431). والإمام أحمد في " المسند " (38/202)، من طريق الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ فَقَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي.
فَرَآهُ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِصَلَاتِهِمْ فَصْلٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحْسَنَ ابْنُ الْخَطَّابِ).
وقد صحح إسناده الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3173) .
ولكن الحديث لا يدل على تحريم القيام مباشرة عقب الصلاة المكتوبة ، ولا على تحريم ترك الذكر والدعاء ، وإنما يدل على التحذير من التشبه بأهل الكتاب بوصل صلاة الفريضة بالنافلة من غير فاصل ، وهناك فرق بين المسألتين .

وفي معناه ما رواه مسلم في صحيحه (883) من حديث معاوية : (فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ، أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ).
وقد سبق الكلام على هذه المسألة في جواب السؤال : (147965) ، (116064) .

والخلاصة :
أنه لا إثم عليك في القيام عقب صلاة الفريضة مباشرة ، وإنما فاتك الأجر الخاص بهذا الموطن.
ولا تعارض بين الدعاء في السجود ، والدعاء عقب الصلاة ، فهما موطنان فاضلان ، مرغب في الدعاء فيهما ، فينبغي الدعاء فيهما جميعا .
لكن لو قدر أن يتخير العبد بين واحد منهما، فلا شك أن الدعاء في السجود أفضل ، وأرجى للإجابة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب