الحمد لله.
التفتيش في أمور الغيب ، وطلب مزيد التفصيل فيما لم تأت نصوص الشرع به ، من الفضول المذموم ، ومما لا ينبغي الانشغال به .
والواجب الإيمان بالغيب : إجمالا فيما أجمل ، وتفصيلا فيما فصل ، وما عدا ذلك ، فلا ينبغي للمرء أن ينشغل به .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟
قَالَ : ( وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ) ؟
رواه البخاري (3485) ، ومسلم (2639) .
فعن جواب ذلك السؤال ينبغي أن يبحث العبد الناصح لنفسه : ماذا أعددت للساعة ؟ وماذا أعددت من سبيل يوصلك إلى الجنة ؟ وماذا أعددت من عمل تلقى الله به ، وتسأله به جنته ؟
وكون الرجل من أهل الجنة إذا كان له زوجتان في الدنيا : أيهما ستكون أقرب إليه في الجنة ؟ هل سيكونان منه بمنزلة واحدة ؟ أم إنه سيحب إحداهما أكثر من الأخرى ، كما كان يفعل في الدنيا ؟ فهذا ونحوه من فضول المسائل ، التي لا يحسن بالعبد أن يشغل نفسه بها .
ولكن هناك بعض الأصول التي
دلت عليها النصوص الشرعية فيما يخص هذا الباب ، نذكر منها :
أولاً : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، فلا نصب فيها ، ولا تعب ، ولا تنغيص ، ولا بغض ،
ولا حسد ، ولا شيء مما يعانيه أهل الدنيا من الكروب والهموم والغموم ، رجالا ونساء
.
قال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ
آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ
مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ
) الحجر/ 45 – 48 .
ثانياً : مما يمن الله به
على عبده المؤمن : أن يجمع بينه وبين أحبائه في الدنيا في دار كرامته إذا كانوا من
الصالحين ؛ ليكون ذلك أقر لعينه وأشرح لصدره ، وإن لم يكونوا في الدنيا على درجة
واحدة من الصلاح .
قال تعالى : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ
وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) الرعد/ 23 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ : يُجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَحْبَابِهِمْ فِيهَا مِنَ الْآبَاءِ
وَالْأَهْلِينَ وَالْأَبْنَاءِ ، مِمَّنْ هُوَ صَالِحٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ ؛ لِتَقَرَّ أَعْيُنُهُمْ بِهِمْ ، حَتَّى إِنَّهُ تُرْفَعُ
دَرَجَةُ الْأَدْنَى إِلَى دَرَجَةِ الْأَعْلَى ، مِنْ غَيْرِ تَنْقِيصٍ لِذَلِكَ
الْأَعْلَى عَنْ دَرَجَتِهِ ، بَلِ امْتِنَانًا مِنَ اللَّهِ وَإِحْسَانًا ، كَمَا
قَالَ تَعَالَى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ
مِنْ شِيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )الطَّوْرِ/ 21 " انتهى من " تفسير
ابن كثير " (4/451) .
ثالثاً : ما كان في الدنيا
بين الزوجين من تنافر وكراهية وتباغض ، فإن الله عز وجل يرفعه عن صدورهما ، إذا قدر
اجتماعهما في الجنة .
وما كان من حب ووئام وألفة ، فإن الله تعالى يزيده في الجنة ، بما لا مزيد عليه .
قال تعالى : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ
الْأَنْهَارُ ) الأعراف/ 43 ، وروى البخاري (3245) ، ومسلم (2834) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى
صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا ، وَلاَ
يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ ،
أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ ،
وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، يُرَى مُخُّ
سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ
وَلاَ تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً
وَعَشِيًّا ) .
رابعاً : لا يزداد الزوجان
في الجنة إلا حسنا وجمالا .
روى مسلم (2833) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا ، يَأْتُونَهَا
كُلَّ جُمُعَةٍ ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ
وَثِيَابِهِمْ ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى
أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ
: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَقُولُونَ :
وَأَنْتُمْ ، وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا ) .
والحاصل :
أن تفاصيل أحوال الرجل مع زوجاته في الجنة لا يعلمها إلا الله ، والذي نعلمه من
نصوص الكتاب والسنة أن الرجل يعيش مع زوجاته في الجنة في أرغد عيش وأحسن حال ، ولا
يضر من كانت منزلته أدنى من صاحبه أن يرى صاحبه بالمحل الأعلى ، فإن الله تعالى
يجعل في قلوب أهل الجنة تمام الرضا والغبطة والسرور بما هم فيه من النعيم المقيم ،
دون أن يحقد أحد على أحد ، أو يحسد أحد أحدا ، أو يغار أحد من أحد ، رجالا ونساء .
وينظر للفائدة في جواب السؤال رقم : (129772) .
والله أعلم .
تعليق