الحمد لله.
قال الشنقيطي :
قال القرطبي – رحمه الله في تفسيره – ما نصه : "
قال شيخنا أبو العباس : ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم هذه الأحكام الشرعية فقالوا هذه الأحكام الشرعية العامَّة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم وقالوا وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون أحكام الجزيئات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم عما كان عند موسى من تلك الفهم وقد جاء فيما ينقلون " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " .
قال شيخنا رضي الله عنه : وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب لأنه إنكار ما علم من الشرائع فإن الله تعالى قد أجرى سنته وأنفذ حكمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه المبينون شرائعه وأحكامه اختارهم لذلك وخصهم بما هنالك كما قال تعالى : ( الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير ) ، وقال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) الأنعام/124 وقال تعالى : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ) البقرة/ 213 إلى غير ذلك من الآيات ، وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي واليقين الضروري واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل فمن قال : إن هناك طريقا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل بحيث يستغنى عن الرسل فهو كافر يقتل ولا يستتاب ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله فلا نبي بعده ولا رسول .
وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه وأن ما يقع فيه حكم الله تعالى وأنه يعمل بمقتضاه وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة فإن هذا نحو ما قاله عليه الصلاة والسلام : " إن روح القدس نفث في روعي . " الحديث ، انتهى من تفسير القرطبي .
وما ذكره في كلام شيخه المذكور من أن الزنديق لا يستتاب هو مذهب مالك ومن وافقه وقد بينا أقوال العلماء في ذلك وأدلتهم وما يرجحه الدليل في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " في سورة " آل عمران " .
تعليق