الحمد لله.
الخوارج هم من أهل الأهواء والبدع الخارجين ، بل هم من شر أهل البدع والفساد والعناد ، وهي الفرقة التي صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها ، وذكر أحوالها ، وذمها ، والأمر بقتالها ، وهي التي ظهرت وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، متوافرون ، فاجتمع أمرهم على ذمهم ، وقتالهم ، وإنفاذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيهم .
قال ابن القيم رحمه الله :
" والذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ذمهم من طوائف أهل البدع : هم الخوارج ، فإنه قد ثبت فيهم الحديث من وجوه كلها صحاح ؛ لأن مقالتهم حدثت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلمة رئيسهم .
وأما الارجاء والرفض والقدر والتجهم والحلول وغيرها من البدع : فإنها حدثت بعد انقراض عصر الصحابة .
وبدعة القدر أدركت آخر عصر الصحابة ، فأنكرها من كان منهم حيا كعبد الله بن عمر وابن عباس وأمثالهما رضي الله عنهم ، وأكثر ما يجىء من ذمهم فإنما هو موقوف على الصحابة من قولهم فيه " انتهى من "تهذيب سنن أبي داود، بهامش معالم السنن " (7/61) .
وقد أخبر عنهم النبي صلى
الله عليه وسلم بأنهم ( يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ
يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ ) ، وأنهم (
كِلَابُ النَّارِ ) .
انظر إجابة السؤال رقم : (182237)
، و (197919)
.
وقد عرّفهم النبي صلى الله عليه وسلم بعلامات ، وأخبر أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ، ووعد من قاتلهم وأراح المسلمين من شرهم وفتنتهم ، بخير عظيم ، وأجر كبير .
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ
الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ ثُمَّ المُجَاشِعِيِّ ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ
بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ ،
وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ ،
فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ ، وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ
وَيَدَعُنَا، قَالَ: ( إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ ) ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ
العَيْنَيْنِ ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ ، نَاتِئُ الجَبِينِ ، كَثُّ اللِّحْيَةِ
مَحْلُوقٌ ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ( مَنْ يُطِعِ
اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ
تَأْمَنُونِي ) فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، - أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ –
فَمَنَعَهُ ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ : ( إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ: فِي
عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ،
يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يَقْتُلُونَ
أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ
لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ) متفق عليه .
وروى مسلم (1066) عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ ،
وَهُوَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالُوا: لَا حُكْمَ
إِلَّا لِلَّهِ ، قَالَ عَلِيٌّ : كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ، إِنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا، إِنِّي لَأَعْرِفُ
صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ، يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَجُوزُ
هَذَا، مِنْهُمْ ، - وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللهِ
إِلَيْهِ مِنْهُمْ أَسْوَدُ ، إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْيُ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةُ ثَدْيٍ
فَلَمَّا قَتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
انْظُرُوا، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، فَقَالَ: ارْجِعُوا فَوَاللهِ مَا
كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي
خَرِبَةٍ ، فَأَتَوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ " .
وروى عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (983) عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ : " لَمَّا
قَتَلَ عَلِيٌّ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ قَالَ: الْتَمِسُوهُ فَوَجَدُوهُ فِي
حُفْرَةٍ تَحْتَ الْقَتْلَى فَاسْتَخْرَجُوهُ وَأَقْبَلَ عَلِيٌّ عَلَى أَصْحَابِهِ
، فَقَالَ: " لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَأَخْبَرْتُكُمْ مَا وَعَدَ اللهُ مَنْ
يَقْتُلُ هَؤُلَاءِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "،
قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: " إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ " وصححه محققو المسند .
وروى مسلم (1066) عن زَيْد بْن وَهْبٍ الْجُهَنِيّ : " أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ
الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، الَّذِينَ سَارُوا إِلَى
الْخَوَارِجِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( يَخْرُجُ
قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى
قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ ، وَلَا
صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ
أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ ، لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ ،
يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ) ،
لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ ، مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى
لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَاتَّكَلُوا عَنِ
الْعَمَلِ ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ ، وَلَيْسَ لَهُ
ذِرَاعٌ ، عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ ، عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ
بِيضٌ فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ
يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو
أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ
الْحَرَامَ ، وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ ، فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللهِ ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" وَالْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ الَّذِينَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِمْ قَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ، وَاتَّفَقَ عَلَى قِتَالِهِمْ
أَئِمَّةُ الدِّينِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَلَمْ
يُكَفِّرْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ
وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، بَلْ جَعَلُوهُمْ مُسْلِمِينَ مَعَ قِتَالِهِمْ
.
وَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ عَلِيٌّ حَتَّى : سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ ، وَأَغَارُوا
عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَاتَلَهُمْ لِدَفْعِ ظُلْمِهِمْ وَبَغْيِهِمْ
، لَا لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ. وَلِهَذَا لَمْ يَسْبِ حَرِيمَهُمْ وَلَمْ يَغْنَمْ
أَمْوَالَهُمْ " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (3/ 282) .
فقاتلهم علي رضي الله عنه
لأنهم سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا على أموال المسلمين ، وكفروهم ، وزاد شرهم
وبطشهم بالبلاد والعباد ، وخيف منهم على أرواح الناس وأعراضهم وأموالهم .
فلما فعلوا ذلك ، وعرفهم عليّ بالعلامات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم
عنهم ، مع علمه بحثّ النبي صلى الله عليه وسلم على قتالهم : قاتلهم .
ويكفي من ذلك كله ، ليعلم
المسلم حالهم ، وما كانوا عليه من الضلال والفجور ، والعتو على عباد الله الصالحين
هذا الخبر :
عَنْ رَجُلٍ، مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ ، ثُمَّ فَارَقَهُمْ ،
قَالَ: " دَخَلُوا قَرْيَةً ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ ، ذَعِرًا
يَجُرُّ رِدَاءَهُ ، فَقَالُوا: لَمْ تُرَعْ ؟ ، قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ
رُعْتُمُونِي ، قَالُوا: أَنْتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ
أَبِيكَ حَدِيثًا يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تُحَدِّثُنَاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ
الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا
خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ، قَالَ: فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَاكَ ، فَكُنْ عَبْدَ اللهِ
الْمَقْتُولَ - قَالَ أَيُّوبُ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ، وَلَا تَكُنْ
عَبْدَ اللهِ الْقَاتِلَ "- قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيكَ
يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَقَدَّمُوهُ عَلَى ضَفَّةِ النَّهَرِ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ ، وَبَقَرُوا
أُمَّ وَلَدِهِ عَمَّا فِي بَطْنِهَا "رواه أحمد (21064) .
والله أعلم .
تعليق