الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

حكم اللحوم في بعض بلاد الغرب

223005

تاريخ النشر : 29-08-2014

المشاهدات : 160073

السؤال


لقد قرأت كل الأسئلة عن حكم اللحوم المشكوكة ، إلا أننى لم أجد إجابة عن الواقع الذي نعيشه في ألمانيا ، القوم هنا يُعَدُّون من أهل الكتاب ، إلا أن ذبيحتهم تعالج بالصعق قبل الذبح . وهنا أتراك مسلمون يزعمون أن لحومهم حلال . الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ذكر أنه لا يشرع السؤال عن كيفية الذبح عند أهل الكتاب والمسلمين . فهل يجوز لنا أن نشتري اللحوم من المحلات الألمانية ومن عند الأتراك ؟ أم إن علينا التأكد من حل اللحوم ، وذلك أمر في غاية التكلف ؟ ولقد قرأت في القواعد الفقهية للشيخ السعدى رحمه الله أن الأصل في اللحوم أنها حرام . فكيف يمكن الجمع بين هذا وكلام الشيخ ابن عثيمين ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً :
لا بد من تقرير القاعدة الشرعية في أحكام الذبائح ، والتي تنص على أن الأصل في اللحوم والذبائح هو التحريم :
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - :
" اللحوم الأصل فيها التحريم حتى يتيقن الحل ، ولهذا إذا اجتمع في الذبيحة سببان : مبيح ومحرم ، غلب التحريم " انتهى من " رسالة القواعد الفقهية " ( 29 ) .
وقد قرر ذلك كثير من أهل العلم قبل الشيخ السعدي رحمه الله ، انظر : " إحكام الأحكام " لابن دقيق العيد ( 2 / 286 ) ، و" الفتاوى الكبرى " لابن تيمية ( 3 / 110 ) .

والدليل على ذلك حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه ، فقد علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم ما يحل له من الصيد وما لا يحل ، فقال له صلى الله عليه وسلم :
( إِذَا أَرسَلتَ كَلبَكَ وَسَمَّيتَ فَأَمسَكَ وَقَتَلَ فَكُل ، وَإِن أَكَلَ فَلَا تَأكُلْ فَإِنَّمَا أَمسَكَ عَلَى نَفسِهِ ، وَإِذَا خَالَطَ كِلَابًا لَم يُذكَرِ اسمُ اللَّهِ عَلَيهَا فَأَمسَكنَ وَقَتَلنَ فَلَا تَأكُلْ ، فَإِنَّكَ لَا تَدرِي أَيُّهَا قَتَلَ ، وَإِن رَمَيتَ الصَّيدَ فَوَجَدتَهُ بَعدَ يَومٍ أَو يَومَينِ لَيسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهمِكَ فَكُل ، وَإِن وَقَعَ فِي المَاءِ فَلَا تَأكُلْ ) رواه البخاري ( 5475 ) ، ومسلم ( 1929 ) .
يقول ابن القيم - رحمه الله - معلقا على هذا الحديث - :
" لما كان الأصل في الذبائح التحريم ، وشك هل وجد الشرط المبيح أم لا ، بقي الصيد على أصله في التحريم " انتهى من " إعلام الموقعين " ( 1 / 340 ) .

ولكن جاء في الشريعة ما يدل على أنه لا يشترط اليقين في رفع أصل التحريم هذا ، بل يكفي الظاهر والغالب الراجح ، وإجراء الفعل الصادر ممن هو أهل له ، على ظاهر السلامة ، ولا يلتفت إلى الاحتمال الضعيف ، فإن وجد اليقين على وقوع الذكاة الشرعية فذلك أفضل .
قال ابن دقيق العيد – رحمه الله - :
" الحديث – أي : حديث أبي ثعلبة الخشني في الصيد – جارٍ على مقتضى ترجيح غلبة الظن ، فإن الظن المستفاد من الغالب ، راجح على الظن المستفاد من الأصل " .
انتهى من " إحكام الأحكام " ( 2 / 286 ) .
ومن ذلك : ما جاء عن عائشة رضي الله عنها : " أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ قَومًا ( وفي رواية مالك " من البادية " ) يَأتُونَنَا بِلَحمٍ لَا نَدرِي أَذُكِرَ اسمُ اللَّهِ عَلَيهِ أَم لَا ؟ ، فَقَالَ : سَمُّوا عَلَيهِ أَنتُم وَكُلُوهُ ) ، قَالَت : وَكَانُوا حَدِيثِي عَهدٍ بِالكُفرِ " .
قال ابن حجر – رحمه الله - :
ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة ، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين ؛ لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية ، وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر فقال : فيه أن ما ذبحه المسلم يؤكل ويحمل على أنه سمَّى ؛ لأن المسلم لا يظن به في كل شيء إلا الخير ، حتى يتبين خلاف ذلك " انتهى من " فتح الباري " ( 9 / 786 ) .

وبهذا يتبين أنه ليس ثمة تناقض أو اختلاف في كلام الشيخين ، إن شاء الله ؛ فحين قرر الشيخ السعدي أن الأصل في اللحوم التحريم ، لم يقصد بذلك تحريم كل لحم لم نتيقن ذكاته ، بل يكفي أن يكون الظاهر أو الغالب وقوع الذكاة الشرعية .
ومراد الشيخ ابن عثيمين بكلامه : أن الفعل الصادر ممن هو أهله ، جار على أصل الصحة والسلامة ؛ فالمسلم : أهل لأن يذبح ذبيحة شرعية ، فإذا صدر منه الذبح ، حمل على ظاهر الصحة والسلامة ، ولم يحتج إلى سؤاله : عن كيفية ذبحه ، وهل سمى أو لم يسم ، ونحو ذلك ، اكتفاء بظاهر الحال، والعلماء يقررون أن ظاهر الحال يرفع أصل التحريم في كثير من الصور.
ومثل ذلك أيضا : يقال في الكتابي .

قال ابن القيم – رحمه الله - :
" وأجمعوا على جواز شراء اللحمان من غير سؤال عن أسباب حلها ، اكتفاء بقول الذابح والبائع ، حتى لو كان الذابح يهوديّاً أو نصرانيّاً أو فاجراً : اكتفينا بقوله في ذلك ، ولم نسأله عن أسباب الحل " انتهى من " إعلام الموقعين " ( 2 / 181 ) .
وانظر : " الأشباه والنظائر " ( 140 ) للسيوطي .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 20805 ) .

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يقول السائل : ما حكم أكل اللحوم المجمدة التي تصل إلينا من الخارج ، وبصفة خاصة لحم الدجاج ؟
فأجاب رحمه الله تعالى : " اللحوم التي تأتي من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى : الأصل فيها الحل ، كما أن اللحوم التي تأتي من البلاد الإسلامية الأصل فيها الحل أيضاً ، وإن كنا لا ندري كيف ذبحوها ، ولا ندري هل سموا الله عليها أم لا ؛ لأن الأصل في الفعل الواقع من أهله أن يكون واقعاً على السلامة وعلى الصواب حتى يتبين أنه على غير وجه السلامة والصواب. ودليل هذا الأصل ما ثبت في صحيح البخاري في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : إن قوماً قالوا يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم ، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سموا أنتم وكلوا ) . قالت : وكانوا حديثي عهد بكفر .
ففي هذا الحديث : دليل على أن الفعل إذا وقع من أهله فإنه لا يلزمنا أن نسأل هل أتى به على الوجه الصحيح أم لا ؟
وبناء على هذا الأصل : فإن هذه اللحوم التي تردنا من ذبائح أهل الكتاب : حلال ، ولا يلزمنا أن نسأل عنها ، ولا أن نبحث .
لكن لو تبين لنا أن هذه اللحوم الواردة بعينها تذبح على غير الوجه الصحيح فإننا لا نأكلها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل إلا السن والظفر أما السن فعظم وأما الظفر مدى الحبشة ) .
ولا ينبغي للإنسان أن يتنطع في دينه فيبحث عن أشياء لا يلزمه البحث عنها ، ولكن إذا بان له الفساد ، وتيقنه : فإن الواجب عليه اجتنابه .
فإن شك وتردد : هل تذبح على طريق سليم أم لا ؟
فإن لدينا أصلين : الأصل الأول : السلامة ، والأصل الثاني : الورع ؛ فإذا تورع الإنسان منها ، وتركها : فلا حرج عليه . وإن أكلها : فلا حرج عليه ..." .
انتهى من " نور على الدرب" ابن عثيمين (20/2 ـ شاملة) .

ثانيا :
إذا جاءت أدلة وقرائن تقوي احتمال عدم وقوع الذكاة الشرعية ، كأن يكون في البلد النصراني كثيرٌ من الملحدين أو أصحاب الديانات الأخرى ، أو يشتهر عن مصانع لحومهم أنها لا تعتمد الذبح ، إنما الضرب أو القتل ، وأحيانا تقيد القوانين المصانع فتلزمهم بعدم الذبح ، فحينئذ يضعف البناء على ظاهر السلامة ، وصدور الفعل ممن هو أهله ؛ لأنه السلامة هنا : لم تعد ظاهرة أصلا ، مع ما عارضها من القرائن القوية ، وبعضها أدلة مشاهدة .
خاصة ، وأن بعض هذه الدول : لم تعد تعتمد الذكاة الشرعية في مصانعها ؛ وربما يلاحق المسلمون الذين يعتمدون الذبح من قبل جمعيات حقوق الحيوان !!

فإذا وجدت أخي الكريم أن قرائن عدم وقوع الذكاة الشرعية كثيرة ، وغلب على ظنك أن لحوم بلد معين ، أو مصنع معين ، أو محل معين ، لم تذبح على الطريقة الشرعية : فلا يجوز لك حينئذ شراء هذه اللحوم ولا تناولها .
وإن لم يتبين لك الأمر ، وشق عليك معرفة الحقيقة : فلا حرج عليك - إن شاء الله - من شراء هذه اللحوم وتناولها .
جاء في قرار المجمع الفقهي السابق :
يجوز للمسلمين الزائرين لبلاد غير إسلامية أو المقيمين فيها أن يأكلوا من ذبائح أهل الكتاب ما هو مباح شرعا ، بعد التأكد من خلوها مما يخالطها من المحرمات ، إلا إذا ثبت لديهم أنها لم تذك تذكية شرعية .
انتهى .
ويمكنك الاستعانة بالمراكز الإسلامية في بلادكم ، فقد يكون لديها علم بحال مصانع اللحوم والقوانين التي تنظمها .

وانظر جواب الأسئلة : ( 10339 ) ، و ( 11609 ) ، و ( 12569 ) ، و ( 82444 ) .

ثالثا :
أما معالجة الذبيحة بالصعق قبل الذبح ، فذلك أمر خطير يبعث الشك القوي في تلك الذبائح ، لأن الصعق كثيرا ما يفضي إلى موت الحيوان قبل ذبحه ، وحينئذ يعتبر ميتة ، ولا يغني ذبحه بعد موته شيئا في حله .
لذلك جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " ما يلي :
أ. الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان ؛ لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل ، رحمة بالحيوان ، وإحسانا لذبحته ، وتقليلا من معاناته .
ويُطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم ، بحيث تحقق الأصل في الذبح على الوجه الأكمل .
ب. مع مراعاة ما هو مبين في البند ( أ ) من هذه الفقرة ، فإن الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها ، وقد حددها الخبراء في الوقت الحالي بما يلي :
1. أن يتم تطبيق القطبين الكهربائيين على الصدغين أو في الاتجاه الجبهي – القذالي (القفوي).
2. أن يتراوح الفولطاج ما بين ( 100 – 400 فولط ) .
3. أن تتراوح شدة التيار ما بين (75و0إلى 1.0 أمبير ) بالنسبة للغنم ، وما بين ( 2 إلى 2.5 أمبير ) بالنسبة للبقر .
4. أن يجري تطبيق التيار الكهربائي في مدة تتراوح ما بين ( 3 إلى 6 ثوان ) .
ج. لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة ، أو بالبلطة ، أو بالمطرقة ، ولا بالنفخ على الطريقة الانجليزية .
د. لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية ؛ لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية .
هـ. لا يحرم ما ذكي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأكسجين ، أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته .
" قرار رقم : 101 / 3 / الدورة العاشرة .

رابعاً :
يتأكد جانب المنع ، والامتناع من أكل ذبائح أهل الكتاب ، التي وقع الشك في كيفية ذبحهم لها إذا امتنعوا من بيان حقيقة الحال ، ولم يسمحوا للجهات الرقابية الإسلامية بمراقبة عمل المجازر التي يذبحون فيها ، فهنا تقوى التهمة في حقهم جدا ، مع نقل من الإشكال في الطرائق المتبعة في هذه المجازر .

جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 26 / 199 ) :
" قال ابن جزيٍّ : إذا غاب الكتابيّ على الذّبيحة فإن علمنا أنّهم يذكّون : أكَلْنا ، وإن علمنا أنّهم يستحلّون الميتة كنصارى الأندلس ، أو شككنا في ذلك : لم نأكل ما غابوا عليه ... وقال ابن شعبان : أكره قديد الروم وجبنهم ؛ لما فيه من أنفحة الميتة ، قال القرافي : وكراهيته محمولة على التحريم لثبوت أكلهم الميتة ، وأنهم يخنقون البهائم ويضربونها حتى تموت .
انتهى .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 21 / 204 ) – أيضاً - :
" من التبست عليه المُذَكَّاةُ بالميتة : حرمتا معا ؛ لحصول سبب التحريم الذي هو الشك ، وكذلك لو رمى المسلم طريدةً بآلة صيد فسقطت في ماء وماتت والتبس عليه أمرها : فلا تؤكل ؛ للشّكّ في المبيح ، ولو وجدت شاة مذبوحة ببلد فيه من تحلّ ذبيحته ومن لا تحلّ ذبيحته ، ووقع الشّكّ في ذابحها : لا تحلّ ، إلاّ إذا غلب على أهل البلد من تحلّ ذبيحتهم .
انتهى .
وقال النووي – رحمه الله - :
" لو وجدنا شاة مذبوحة ولم ندر مَن ذبحها ، فإن كان في بلد فيه من لا يحل ذكاته كالمجوس : لم تحل ، سواء تمحضوا أو كانوا مختلطين بالمسلمين ؛ للشك في الذكاة المبيحة ، والأصل التحريم ، وإن لم يكن فيهم أحد منهم : حلت " انتهى من " المجموع " ( 9 / 91 ) .
وانظر جواب الأسئلة : ( 10339 ) ، و ( 11609 ) ، و ( 12569 ) ، و ( 82444 ) .

خامسا :
وبعد هذا كله ، فإذا يسر الله سبحانه وتعالى لكم قيام بعض المسلمين بالذبح وتصنيع اللحوم ، فلا شك أن الذي ينبغي عليك : أن تحرص على شراء اللحوم من هؤلاء المسلمين ، والابتعاد عن غيرها من اللحوم ، فإن الاحتياط في دين الله أمر مندوب ، لا سيما مع قيام التهمة ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :( فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ استَبرَأَ لِدِينِهِ وَعِرضِهِ ) رواه البخاري ( 52 ) ، ومسلم ( 1599 ) .
يقول الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - :
" الذي يحسن بالمسلم ترك هذه اللحوم ؛ لأنها مشتبهة ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏( ‏دع ما يريبك إلى ما لا يريبك‏ )‏ ،‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏( ‏فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ‏)‏ ، وعلى المسلمين الموجودين في بلاد الكفار من الجاليات أو الطلاب أن يوجدوا حلاً لهذه المشكلة بأنفسهم ، بأن يتعاونوا على إيجاد مسلخ خاص بهم ، أو يتفقوا مع مسلخ يلتزم بالذبح على الطريقة الشرعية ، وبهذا تنحل المشكلة‏‏ " انتهى من " المنتقى من فتاوى الفوزان " ( 4 / 226 ) .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 52800 ) ، ورقم : (128597) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب