الحمد لله.
أولا :
الفحش في القول والوقاحة في الكلام مما يبغضه الله تعالى ويمقت عليه ، قال تعالى : ( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) النساء/ 148 .
وهو من صفات المنافقين والفاسقين ، ومن أسباب دخول النار يوم القيامة ، مع ما يعرف به صاحبه في الدنيا من الوصف الذميم بين الناس .
انظر إجابة السؤال رقم : (148441) ، والسؤال رقم : (198252) .
فالواجب على المسلم أن يحفظ
لسانه من فحش القول وسيء المنطق ، ولو كان مازحا ، فإن آفات اللسان من أعظم ما
يبتلى المرء به في دينه وخلقه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَهَلْ
يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا
حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ ) رواه الترمذي (2616) ، وصححه الألباني في "صحيح
الترمذي" .
قال المناوي رحمه الله :
" فمن أطلق عَذَبَة لسانه مُرْخَى العِنان ، سلك به الشيطان في كل ميدان ، وساقه
إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطره إلى البوار، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا
حصائد ألسنتهم ؟ ولا ينجي من شر اللسان إلا أن يلجم بلجام الشرع " انتهى من "فيض
القدير" (2/ 79) .
وراجع إجابة السؤال رقم : (22170) لمعرفة شروط وآداب المزاح الشرعي .
ويتأكد النهي عن هذه الأخلاق
الذميمة في حق من يجب أن يكونوا أهل قدوة للناس في حسن خلقهم وعفة لسانهم ، كأهل
القرآن الحافظين له ، وكأئمة المساجد الذين يصلون بالناس ، فهؤلاء وأمثالهم يجب أن
يكونوا من أبعد الناس عن فحش القول وقبيحه .
واعتياد هذه الأخلاق السيئة ، ثم الاعتذار عنها بالاستغفار منها مع التمادي فيها ،
من الغفلة وعدم العلم بالله والجهل بأسمائه وصفاته سبحانه ، ثم هو إصرار على فعل
الذنب من غير توبة صحيحة منه ، والإصرار على الصغيرة مهلكة ، فكيف إذا كان على فاحش
القول ، وعادة السوء في اللسان .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" نص العلماء على أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة , لما في ذلك من الدلالة على
أن صاحبها لم يقم في قلبه من تعظيم الله ما يوجب انكفافه عنها ". انتهى من "مجموع
فتاوى ورسائل العثيمين" (15/ 138) .
ثانيا :
سب الدين للجمادات من فاحش القول ، وبذيء اللفظ ، وهو من عادة السوء في السب والفحش
.
ويخشى على صاحبه أن يقع به إثم سب الدين ، لا سيما إذا عود لسانه ذلك الفحش ، فإنه
يوشك أن ينتقل به إلى سب دين الله صراحة ، جهارا ، كما عهد من حال من اعتاد مثل ذلك
.
وليُعلم أن كل شيء يسبح بحمد
ربه ، حتى الجمادات ، قال تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ
وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الإسراء/ 44 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَهَذَا عَامٌّ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتِ وَالْجَمَادِ ، وَهَذَا
أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ
بِحَمْدِهِ) قَالَ: " الْأُسْطُوَانَةُ تُسَبِّحُ ، وَالشَّجَرَةُ تُسَبِّحُ "
والْأُسْطُوَانَةُ: السَّارِيَةُ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ صَرِيرَ الْبَابِ تَسْبِيحُهُ ، وَخَرِيرَ
الْمَاءِ تَسْبِيحُهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا
يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) .
وَقَالَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
الطَّعَامُ يُسَبِّحُ.
وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ آيَةُ السَّجْدَةِ أَوَّلَ سُورَةِ الْحَجِّ ".
انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/ 79-80) .
وروى الدارمي (18) ، وابن حبان في "الثقات" (4/223) عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ شَيْءٌ
إِلا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، إِلا عَاصِي الْجِنِّ وَالإِنْسِ ) وحسنه
الألباني في "الصحيحة" (1718) .
سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
رجل يكتب على ورقة ، وفي أثناء الكتابة أخطأ في بعض الكلمات ، فانزعج كثيراً من ذلك
ومن شدة غضبه سبَّ دين وسماء القلم والورقة ، فهل يعتبر سِباب دين القلم أو الورقة
أو الحجر أو الشجر أو الكرسي أو الكأس أو....إلخ من هذه الأشياء، هل يعتبر كفراً؟
فأجاب :
" لا شك أن هذا السب حرام ، ولو قيل إِن القلم والورقة لا يدينان بالدين الذي هو
العبادات ؛ لكن معلوم أن الدين واحد، وأن الله تعالى هو الذي سخر هذه الأقلام
والأدوات ، ويسر استعمالها، فيخاف أن السب يرجع إلى الله تعالى، فعليه التوبة
والاستغفار، وعدم العودة إلى مثل هذا " انتهى .
http://www.ibn-jebreen.com/books/6-67-3976-3579-.html
وللفائدة راجع الفتاوى رقم : ( 4250) ، ورقم : (65551) ، ورقم : (149118) ، ورقم : (202699).
والله أعلم .
تعليق