الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

طائفة الديوبندية

السؤال

هل الديوبانديين من أهل السنة ؟
هل هم في حقل الإسلام ؟.

الجواب

الحمد لله.

الديوبندية طائفة من طوائف المسلمين ، تنسب إلى جامعة ديوبند – دار العلوم – في الهند . وهي مدرسة فكرية عميقة الجذور طبعت كل خريج منها بطابعها العلمي الخاص ، حتى أصبح ينسب إليها .

التأسيس وأبرز الشخصيات :

أسس جامعة ديوبند مجموعة من علماء الهند بعد أن قضى الإنجليز على الثورة الإسلامية في الهند عام 1857م ، فكان تأسيسها ردَّ فعلٍ قوي لوقف الزحف الغربي ومدنيته المادية على شبه القارة الهندية لإنقاذ المسلمين من مخاطر هذه الظروف ، خاصة وأن دلهي العاصمة قد خرِّبت بعد الثورة وسيطر عليها الإنجليز سيطرة كاملة ، وخاف العلماء أن يُبتلع دينهم ، فأخذ الشيخ إمداد الله المهاجر المكي وتلميذه الشيخ محمد قاسم الناناتووي وأصحابهما برسم الخطط للمحافظة على الإسلام وتعاليمه ، فرأوا أن الحل بإقامة المدارس الدينية ، والمراكز الإسلامية ، وهكذا أُسست المدرسة الإسلامية العربية بديوبند كمركز للدين والشريعة في الهند في عصر حكومة الإنجليز .

أبرز شخصيات هذه المدرسة الفكرية :

1-محمد قاسم .

2-رشيد أحمد الكنكوهي .

3-حسين أحمد المدني .

4-محمد أنور شاه الكشميري .

5-أبو الحسن الندوي .

6-المحدث حبيب الرحمن الأعظمي .

الأفكار والمعتقدات :

-هم في الأصول ( العقيدة ) على مذهب أبي منصور الماتريدي في الاعتقاد .

-وعلى مذهب الإمام أبي حنيفة في الفقه والفروع .

-وسلكوا الطرق الصوفية من النقشبندية والجشتية والقادرية والسهروردية في السلوك والاتباع .

ويمكن تلخيص أفكارهم ومبادئ الدراسة الديوبندية بما يلي :

-المحافظة على التعاليم الإسلامية ، والإبقاء على شوكة الإسلام وشعائره .

-نشر الإسلام ومقاومة المذاهب الهدَّامة والتبشرية .

-نشر الثقافة الإسلامية ومحاربة الثقافة الإنجليزية الغازية .

-الاهتمام بنشر اللغة العربية لأنها وسيلة الاستفادة من منابع الشريعة الإسلامية .

-الجمع بين العقل والقلب ، وبين العلم والروحانية .

أنظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب .(1/308) .

وحيث أن الديوبندية تتبنى مذهب الماتريدية في العقيدة فلا بد من التعريف بالماتريدية :

وهي فرقة كلامية ، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي ، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها ، من المعتزلة والجهيمة وغيرهم لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية .

ومن حيث مصدر التلقي فقد قسم الماتريدية أصول الدين حسب مصدر التلقي على قسمين :

الإلهيات ( العقليات ) : وهي ما يستقل العقل بإثباتها والنقل تابع له ، وتشمل أبواب التوحيد والصفات .

الشرعيات ( السمعيات ) : وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها ثبوتاً ونفياً ، ولا طريق للعقل إليها مثل : النبوات ،وعذاب القبر ، وأمور الآخرة ، علماً بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات .

و لا يخفى ما في هذا من مخالفةٍ لمنهج أهل السنة والجماعة حيث أن القرآن والسنة وإجماع الصحابة هم مصادر التلقي عندهم ، فضلاً عن مخالفتهم في بدعة تقسيم أصول الدين إلى عقليات وسمعيات ، والتي قامت على فكرة باطلة وضعها الفلاسفة تفترض أن نصوص الدين متعارضة مع العقل ، فعملوا على التوسط بين العقل والنقل ، مما اضطرهم إلى إقحام العقل في غير مجالات بحثه ، فخرجوا بأحكام باطلة تصطدم مع الشرع ألجأتهم إلى التفويض والتأويل ، بينما لا منافاة عند أهل السنة والجماعة بين العقل السليم الصريح والنقل الصحيح . انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (1/99) .

موقف أهل السنة من الماتريدية  :

ثبت عن  رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن هذه الأمة سوف تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وبيَّن عليه الصلاة والسلام أن الفرقة الناجية هي الجماعة ،وهي التي تكون على مثل ما كان عليه  رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته الكرام .

ولا ريب أن أهل السنة والجماعة المتمسكين بالكتاب والسنة علماً وعملاً هم الفرقة الناجية وذلك لتحقق الوصف فيهم ،وهو الالتزام بما كان عليه  رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم علماً وعملا .

فلا يكفي ليكون الفرد أو الجماعة من الفرقة الناجية مجرد الانتساب للسنة مع المخالفة لمنهج السلف من الصحابة والتابعين ، بل لا بد من الالتزام بمنهجهم في العلم والعمل والتصور والسلوك .

والماتريدية من الطوائف التي في أقوالها حق وباطل ومخالفة للسنة ، ومعلوم أن هذه الطوائف تتفاوت في مدى القرب والبعد من الحق ، فإن كل من كان أقرب إلى السنة كان أقرب إلى الحق والصواب ، فمنهم " من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة ، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة ، ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه ، فيكون محموداً فيما رده من الباطل وما قاله من الحق ، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق ، وقال بعض الباطل فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها ، ورد بالباطل باطلاً بباطل أخف منه ، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة ... " انتهى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الفتاوى (1/348) .

بقيت مسألة مهمة هنا وهي : ما هو واجبنا تجاه الماتريدية ، ومن نحى نحوهم في العقيدة كالديوبندية وغيرهم ؟

والجواب يختلف باختلاف الأشخاص :

فمن كان منهم معانداً داعياً إلى بدعته فيجب التحذير منه وبيان ضلاله وانحرافه ، وأما من لم يكن داعياً إلى بدعته واتضح من قوله وعمله طلب الحق والسعي إليه فإنه يُناصح ويبين له خطأ هذا المعتقد وإرشاده بالتي هي أحسن ، لعل الله أن يرده إلى الحق ، وهذه النصيحة داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم  : " الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " رواه مسلم (55)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد