الحمد لله.
أولا :
يجب على المرأة المسلمة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب عنها ، وهذا ما دل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية ، وما زال ذلك عملا يتوارثه أهل الديانة ، والعفاف والصيانة ، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريب من عصرنا هذا ، حتى أصابت المسلمين لوثة تقليد الغرب ، ورجعوا إلى فعل الجاهلية الذي نهاهم الله عنه بقوله : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) الأحزاب/33 ، وقد سبق بيان أدلة ذلك في الفتوى رقم : (11774) .
ثانيا :
ينبغي أن تحمد الله تعالى أن رزقك زوجة صاحبة دين ، تحرص على طاعة ربها ، وعليك أن تعينها على ذلك ، فأنت أول من يطالب بإعانتها على طاعة الله ، والوقوف في وجه من يريد منها أن تعصي الله .
ثالثا :
اعلم أن الشرع يؤكد على المرأة المسلمة أن تلبس الحجاب الكامل أمام أقارب زوجها ( كأخيه وعمه ) وأن لا تختلط بهم ، وإذا كان الواجب على المرأة المسلمة أن تلبس الحجاب الكامل أمام الرجال الأجانب ، فوجوب الحجاب عليها أمام أقارب زوجها أشد وآكد ، هكذا جاءت الشريعة ، تنبيها على إصلاح ومخالفة ما اعتاده كثير من الناس في ذلك ، من تساهل النساء أمام أقارب أزواجهن .
والحكمة من هذا ظاهره ، فإن الرجل الأجنبي الذي يراها مثلا في الطريق ، يراها مرة ثم ينصرف ، وقد لا يراها مرة أخرى ، وإذا قدر أنه رآها ، فإن فرص التواصل بينهما عادة ما تكون أصعب ، وفرصها أضيق .
وأما أقارب الزوج ، فيراها المرة بعد المرة ، ويحادثها ويجلس معها ... إلخ ؛ ولذلك قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ ) . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : ( الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) رواه البخاري (5232) ، ومسلم (2172) .
قال النووي رحمه الله :
" وقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْحَمو الْمَوْت ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره , وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ , وَالْفِتْنَة أَكْثَر ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكَر عَلَيْهِ , بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ .
وَالْمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ . فَأَمَّا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا , وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ , وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ , وَابْن الْأَخ , وَالْعَمّ , وَابْنه , وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ . وَعَادَة النَّاس الْمُسَاهَلَة فِيهِ , وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ , فَهَذَا هُوَ الْمَوْت " انتهى من " شرح مسلم للنووي " .
رابعا :
أما قولك عن والدتك : إنها تحب الحشمة .... إلخ .
فينبغي أن تعلم أن مفهوم (الحشمة) قد اختل عند كثير من الناس ، وخالف المفهوم الشرعي ، فالمرأة المحتشمة في الشرع هي التي تلبس الحجاب الكامل ، ولا تخالط الرجال ، ولا تتحدث معهم إلا بمقدار الحاجة فقط ، وتجلس في بيتها ، وليست كثيرة الخروج والدخول .
أما تحقير شأن الحجاب ووصفه بأنه قطعة قماش ! فهكذا الثياب التي تستر جسم الرجل والمرأة جميعا ، كلها قطعة قماش ، فهل يتبع العاقل كيد الشيطان ، وينزع عنه لباسه ، ويكشف عورته ، لأن الذي يغطيها قطعة قماش ؟!
خامسا :
أما تشبيه هذا بقصة جريج العابد ، فهو غير صحيح ، لأن جريجا لم تطلب منه أمه معصية لله ، غاية الأمر أنها نادته ، ولم يرد عليها ، أما أنت فوالدتك تدعوك أنت وزوجتك إلى معصية الله ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الله ) رواه الإمام أحمد (1041) ، وهو حديث صحيح .
فمن أمر إنسانا بمعصية الله فلا طاعة له ، كائنا من كان ؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا يحل لأحد أن يقدم رضا الناس على رضا الله ، أو يطلب رضاهم ، بما يسخط الله ، بل هذا حقا هو الذي يخشى منه أن يحبط العمل ، لا ما تقوله والدتك ؛ قال الله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" ( ذَلِكَ ) العذاب الذي استحقوه ونالوه ( بـ ) سبب ( أنهم اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ ) من كل كفر وفسوق وعصيان .
( وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ ) فلم يكن لهم رغبة فيما يقربهم إليه ، ولا يدنيهم منه ، ( فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) أي : أبطلها وأذهبها ، وهذا بخلاف من اتبع ما يرضي الله وكره سخطه ، فإنه سيكفر عنه سيئاته ، ويضاعف أجره وثوابه " انتهى من " تفسير السعدي " (ص 789) .
مع التنبيه على أنه ليس في قصة جريج أن الله أحبط عمله ، بل فيها : أن الله تعالى استجاب دعاء أمه لما دعت عليه .
انظر : صحيح البخاري (2482) ، صحيح مسلم (2550) ، فتح الباري (6/480) .
وأخيرا ...
الواجب عليك أن تساند زوجك ، وتعينها على طاعة الله ، وتشجعها على الثبات على عمل الخير كله .
وفي الوقت ذاته عليك أن تتلطف بوالدتك وتحسن إليها غاية الإحسان ، وتبين لها أن هذا حكم شرعي لا مجال للتنازل عنه ، وأن الخير كل الخير في طاعة الله تعالى ، وأن الشر كل الشر في معصيته سبحانه . وأن تعوضها أنت وزوجك بحسن المعاملة ، وحسن الصحبة ، والإحسان إليها ، والتلطف معها بهدية ، وكلمة طيبة ، ونحو ذلك .
نسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد .
والله أعلم .
تعليق