الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

يخاف من " كما تدين تدان "

225094

تاريخ النشر : 04-02-2015

المشاهدات : 41557

السؤال


أنا شاب كنت على الضلالة ، كنت تارة أتوب من المعاصي ، وتارة أخطئ ، لقد عملت علاقات مع فتيات خارج إطار الزواج ، علاقات محرمة ، والحمد لله الذي لم أمس إحداهن ، مع العلم أنني أعرف أنها علاقة محرمة ، وأنا آثم ؛ لأن النفس استهوتني ، والشيطان تملكني حتى منَّ علي الله بالهداية ، وقطعت دابر الشيطان ، وأصبحت أتقي الله ، وألتزم بالعبادات ، ولكني مع ذلك خائف هل ستمر ابنتي بما مررت به ، هل كما فعلت سيفعل بي ؟ أسئلة تجول في خاطري ، نعم أخطأت في الماضي لجهلي في العقيدة ، فهل أنا آثم ، وماذا أفعل ، إني خائف من " كما تدين تدان " ؟

الجواب

الحمد لله.


التساؤل حول العقوبة الدنيوية لبعض الذنوب من أكثر التساؤلات التي تحول بين الناس وبين التوبة ، ومن أكثر التساؤلات التي تطرأ في أذهان العاصين فتتركهم في هواجس دائمة لا يملكون الخروج من وحلها إلا أن يشاء الله ، وهذا كله مناقض لحقيقة التوبة نفسها ؛ فليست عقوبة الآخرة بأقل شأنا من عقوبة الدنيا ، فإذا استمر العاصي بالتساؤل عن جدوى التوبة وكأنها لا ترفع العقاب المحقق من الله عز وجل ، فلن يتوب أبدا ؛ ولا بد أن يستحضر أنه حين يتوب يطلب من الله سبحانه أن يعافيه من آثار الذنب ، سواء في الدنيا أو في الآخرة ، فيعود كما لو أنه لم يذنب أصلا ، بل يعود بعد التوبة أفضل حالا وشأنا منه قبلها ، وذلك إن أحسن التوبة وحرص على تكميلها .
وإذا كانت التوبة تمحو آثار الكفر كلها ، فهي أجدر أن تمحو أيضا آثار المعصية في الدنيا ؛ وذلك لما تنطوي عليه التوبة من عبادات عظيمة جليلة كالتذلل على أعتاب رحمة الله سبحانه ، والصدق في استحضار معاني اللجوء إليه عز وجل ، طلبا للرحمة والمغفرة والرضوان . وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) رواه ابن ماجه (4250) ، وحسنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (13/471)، والألباني في " صحيح ابن ماجه " .
قال المناوي رحمه الله :
" لأن التائب حبيب الله ( إن الله يحب التوابين ) وهو سبحانه لا يعذب حبيبه ، بل يغفر له ويستره ويسامحه .... قال الغزالي : من تاب قبل الموت ، لم تضره الذنوب الماضية وإن كثرت ، كما لا يضره الكفر الماضي بعد الإسلام " انتهى من " فيض القدير " (3/276) .
إذن هما خوفان ، خوف من عقاب الله في الآخرة ، وخوف من آثار المعصية في الدنيا ، وهي آثار خطيرة جليلة ، وكلا الخوفين واجب على العبد ، لكنه خوف لا يبلغ اليأس والقنوط ، بل محفز له كي يسارع في طريق التوبة ، فيطلب من الله تعالى أن يتجاوز عنه كلا العقابين ، ويبدل سيئاته حسنات ، وذلك ما تحققه التوبة الصادقة .
لذلك : إن أهم ما يجب عليك العناية به تحقيق التوبة بين يدي الله تعالى ، بصدق الندم على ما فات ، والانقطاع عن وحل المعصية والعلاقات المحرمة ، والعزم على عدم العودة إليها ، وكثرة الاستغفار وعمل الصالحات ، فإذا قبل الله توبتك ، تجاوز عن آثار ذنبك في الدنيا والآخرة ، فلم يعاقبك في أهلك وأولادك بجنس عملك في الدنيا ، وتجاوز عنك يوم الحساب ، وهذا ما تقتضيه قاعدة " الجزاء من جنس العمل " نفسها ، فالتائب يجازى من جنس عمله ، فكما أحسن بالتوبة بعد الإساءة ، فإن الله تعالى يجازيه بالإحسان (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) . فالتائب يُدانُ [يجازى] بالخير الذي أهلته له توبته ، والمصر على معصيته يُدانُ بما يستحقه ؛ و" كما تدين تدان ".
وللمزيد راجع أرقام الفتاوى : (22769)، (47971) ، (81528) ، (98675) ، (134465).
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب