السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

السعي بالعمل الصالح في الدنيا ؛ للحصول على شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة : مستحب مشروع

226599

تاريخ النشر : 10-04-2015

المشاهدات : 23738

السؤال


طلب الشفاعة من غير الله، شرك أكبر كما هو متقرر. لكن ألا يقيَّد هذا بأن طلب الشفاعة من الأنبياء جائز يوم القيامة كما هو ثابت في الصحيحين وهل يضر المسلم أن يرجو في الدنيا أن تناله شفاعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، دون أن يطلبها منه في الدنيا لأنه مات صلى الله عليه وسلم. وهل الصحابة طلبوا الشفاعة منه في حياته؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
الشفاعة كلها ملك لله عز وجل ، كما قال سبحانه : ( قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ) الزمر/ 44
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الشفاعة لله، ومرجعها كلها إليه، وهو الذي يأذن فيها إذا شاء، ولمن شاء " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (7/ 68) .
وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز لأحد أن يسأل الشفاعة من أحد من الخلق ، ولو كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا .
وطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، "ليس مشروعا عند أحد من أئمة المسلمين، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء" انتهى من "التوسل والوسيلة" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ص160) .
وهو "شرك أو ذريعة إلى الشرك ... فإن ذلك يفضي إلى الشرك به كما قد وقع .
فإذا تعلقت القلوب بدعاءه وشفاعته أفضى ذلك إلى الشرك به ، وقصد مكان قبره أو تمثاله أو غير ذلك ، كما قد وقع فيه المشركون ومن ضاهاهم من أهل الكتاب ومبتدعة المسلمين" انتهى .
التوسل (ص52) .
وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
هل يجوز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الآن في قبره بأن يقول: (أريد منك شفاعة يا رسول الله! وأنا عبد مذنب كلف تحت يديك)؟!
فأجاب :
"لا يجوز، هذا حرام ، بل قد يكون من الشرك؛ لأن هذا دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وبدلاً من أن يقول: أسألك يا رسول الله أن تشفع لي، يقول: يا رب، شفع فيَّ رسولك، حتى يكون الدعاء موجهاً إلى الله عز وجل، أما الرسول الآن لا يستطيع أن يشفع لك، ثم حتى يوم القيامة لا يستطيع أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، فهذه الكلمة حرام، وقد تكون شركاً بالله عز وجل" انتهى.
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم (153666) و (132624) .
ثانيا :
طلب الشفاعة من الأنبياء عليهم السلام يوم القيامة ثابت ، كما روى البخاري (4476) ومسلم (193) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( يَجْتَمِعُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا ... ) الحديث ، وفيه :
( ... فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنَ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ ) .
وهذه الشفاعة معناه : طلب الدعاء من الأنبياء أن يدعوا الله تعالى ليأتي ليفصل بين العباد .
ثالثا :
ينبغي للمسلم أن يرجو ويسعى بالدعاء والعمل الصالح في الدنيا لينال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة .
وقد قال أبو هريرة للنبي صل الله عليه وسلم : (أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ : "لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ" خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِه) رواه البخاري ( 97 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى تعليقا على هذا الحديث :
" فَتِلْكَ " الشَّفَاعَةُ " هِيَ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ بِإِذْنِ اللَّهِ ، لَيْسَتْ لِمَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ ، وَلَا تَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.
وَحَقِيقَتُهُ : أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَتَفَضَّلُ عَلَى أَهْلِ الْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ فَيَغْفِرُ لَهُمْ بِوَاسِطَةِ دُعَاءِ الشَّافِعِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ لِيُكْرِمَهُ بِذَلِكَ ، وَيَنَالَ بِهِ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ والآخرون صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا يَسْتَسْقِي لَهُمْ ، وَيَدْعُو لَهُمْ ، وَتِلْكَ شَفَاعَةٌ مِنْهُ لَهُمْ ، فَكَانَ اللَّهُ يُجِيبُ دُعَاءَهُ وَشَفَاعَتَهُ" انتهى .
وقد جاءت السنة بالترغيب في طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة بالعمل الصالح في الدنيا .
فروى البخاري (614) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ )
رابعا :
سأل غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لهم يوم القيامة ، منهم خادمه أنس رضي الله عنه ، فروى الترمذي (2433) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَ: (أَنَا فَاعِلٌ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
والمقصود من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة في هذا الحديث وغيره : سؤاله أن يدعو الله لهم أن تنالهم شفاعته ، ويأذن الله تعالى له فيهم .
انظر إجابة السؤال رقم : (217507).
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب