الحمد لله.
أولا :
دلَّت نصوص الشريعة على وجوب الوفاء بالعهود ، وتحريم نقضها ، فالوفاء بالعهود والوعود من صفات المؤمنين ، وإخلافها من صفات المنافقين ، قال تعالى: ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) الإسراء/ 34 ، وهذا يشمل العهد مع الخالق ، والعهد مع المخلوق .
قال السعدي رحمه الله : " ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) الذي عاهدتم الله عليه ، والذي عاهدتم الخلق عليه " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 457)
وينظر جواب السؤال رقم : (30861) ، والسؤال رقم : (160964) .
ثانياً :
معاهدتك والدتك على ترك التدخين مؤكد بثلاثة حقوق : حق الله ، وحق المخلوق ، وحق
الوالدة في البر ، فلا يجوز نقضه ولا الإخلال به .
كما لا يجوز لك طلب الإذن منها بالتدخين ، ولا يجوز لها - إذا استأذنتها - أن تأذن
لك ؛ لأن التدخين محرم ، لا يجوز فعله ، ولا استئذان أحد لفعله ، ولا الإذن بفعله
لأحد .
ثالثاً :
إذا كان العهد متعلقاً بحق الطرف الآخر ، غير متعلق بحقِّ غيره ، وليس في نقضه
مخالفة للشرع : جاز إسقاطه .
قال الشاطبي رحمه الله : " كُلُّ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ ؛ فَلَا خِيَرَةَ
فِيهِ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى حَال ٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ فِي
نَفْسِهِ ؛ فَلَهُ فِيهِ الْخِيَرَةُ " انتهى من "الموافقات" (3/101) .
وهذا لا ينطبق على سؤالك ؛ لأن التدخين محرم لحق الله تعالى ، فلا يملك أحد أن
يسقطه ولا أن يأذن فيه .
رابعاً :
لا شك أن العهد مع الله آكد وأوثق من العهد مع الناس ، ويظهر الفرق بين العهدين
فيما يلي :
- العهد مع الله حكمه حكم النذر ، إذا قصد به المكلف إلزام نفسه بطاعة وقربة ، كأن
يقول : أعاهد الله أن أصلي ركعتين ، أو : أعاهد الله أن أختم القرآن كل شهر .
وأما إذا لم يكن المقصود بالعهد : القربة والطاعة ، وإنما المنع أو الحث ، فهذا
حكمه حكم اليمين .
وينظر السؤال رقم : (187335).
أما العهد مع الناس : فليس بنذر ولا بيمين .
- يلزم الوفاء بالعهد مع
الله ، أما العهد مع الناس : فقد يلزم الوفاء به ، وقد يسقطه الطرف الآخر فيسقط .
والخلاصة :
أنه لا يجوز لك استئذان والدتك في العودة إلى التدخين ، ولا يجوز لها أن تأذن لك ؛
لأن ترك التدخين واجب لحق الله تعالى ، وقد أكدتَ ذلك الحق بمعاهدتك لوالدتك ، فلا
يجوز لك نقض هذا العهد ، ولا يجوز لها موافقتك على العودة إلى المعصية ، ومخالفة
أمر الله .
والله أعلم .
تعليق