الحمد لله.
اتفق العلماء على أن الفراش هو الأصل في ثبوت النسب ، والمراد بالفراش : الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة .
واختلف العلماء في الزاني إذا أراد استلحاق ابنه من الزنا به ، هل يثبت نسبه له شرعاً أم لا ، على قولين مشهورين :
الأول : أن ابن الزنا لا يُنسب إلى الزاني ولو ادعاه واستلحقه به .
وهو قول عامة العلماء من المذاهب الأربعة والظاهرية وغيرهم .
وبناء على هذا القول : فإن ولد الزنا – ذكرا كان أو أنثى – لا ينسب إلى الزاني ، ولا يقال إنه ولده ، وإنما ينسب إلى أمه ، وهو محرَم لها ، ويرثها كبقية أبنائها .
وعلى هذا القول فتوى الشيخ ابن إبراهيم كما في "فتاواه " (11/146) ، والشيخ ابن باز كما في "مجموع فتاواه" (28/ 124) ، رحمة الله عليهما ، وفتوى " اللجنة الدائمة " (20/387) .
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) متفق عليه .
ووجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل ولداً لغير الفراش ، كما لم يجعل للعاهر سوى الحجر ، وإلحاق ولد الزنا بالزاني إلحاق للولد بغير الفراش .
فقوله (الولد للفراش ) يقتضي حصر ثبوت النسب بالفراش .
القول الثاني : أن الزاني
إذا استلحق ولده من الزنا فإنه يلحق به.
وهو قول عروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار، والحسن البصري ، وابن سيرين ، وإبراهيم
النخعي ، وإسحاق بن راهويه، كما نقله عنهم ابن قدامة في " المغني" (9/123) .
واختار هذا القول : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وتلميذه ابن القيم .
واختاره أيضاً من المعاصرين : الشيخ محمد رشيد رضا في "تفسير المنار" (4/382)، وهو
اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ، كما في "الشرح الممتع" (12/127) .
لأن هذا الطفل متولد من مائه ، فهو ابنه قدراً وكوناً ، ولا يوجد دليل شرعي صحيح
صريح يمنع من إلحاق نسبه به .
وأما حديث : (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) فهو وارد في حال وجود
الفراش ، ومسألتنا في حال عدم وجود الفراش .
ويشهد لهذا ما جاء في قصة جريج العابد ، لما قال للغلام الذي زنت أمه بالراعي : (
قالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ ، قَالَ : الرَّاعِي...) متفق عليه .
فكلام الصبي كان على وجه الكرامة وخرق العادة من الله ، وقد أخبر أن الراعي أبوه ،
مع أن العلاقة علاقة زنى ؛ فدل على إثبات الأبوة للزاني .
ولأن الشارع يتشوف لحفظ الأنساب ورعاية الأولاد ، والقيام عليهم بحسن التربية
والإعداد ، وحمايتهم من التشرد والضياع .
وقد سبق تفصيل المسألة وبيان اختلاف العلماء فيها وأدلة كل قول في جواب السؤال : (192131)
.
والحاصل :
أن القول بالمنع والجواز قولان معتبران عند أهل العلم ، وهذه المسألة من مسائل
الاجتهاد ، ويبقى النظر في كل واقعة بملابساتها ، فإذا كان الولد يضيع ديناً أو
دنياً فالأخذ بالقول بالاستلحاق فيه تحقيق مصلحة حفظه ، وهي مصلحة شرعية .
والله أعلم .
تعليق