السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

أصيبت بالعين فأثر ذلك عليها في دينها ودنياها ، وزوجها يمنعها من الاتصال بالمعالجين ، ومن التواصل مع أهل العلم لاستفتائهم .

230982

تاريخ النشر : 07-07-2015

المشاهدات : 26607

السؤال


أُصبت بالعين مما أثر علي في عباداتي ، فأصبحت لا أطيق العلم الشرعي بعد أن كنت أجله ،وأحبه ، وأكره حضور الدروس حتى علاقتي مع زوجي لا أشعر بالود معه ، ودائمة الشك فيه ، ومقصرة جدا في مسؤوليتي تجاه زوجي وأولادي , بفضل الله من فترة وأنا أعالج نفسي ،ولكن المشكلة أن زوجي يظن أني واهمة ، والأمر الآخر أني أعيش مع زوجي في بلد ليس معنا من أهلنا أحد ، فأجد صعوبة في القيام بواجباتي ، ولا أستشعر لذة العبادة أقيمها جسد لا روح ، واشتد الأمر أني لا أستطيع نسيان طلاق زوجي لي رغم أنه راجعني ، وأيضاً ذهابه لأكثر من امرأة للزواج مرة أخرى ـ الحمد لله ـ مستسلمة للتعدد ، ولكن كنت أريده بجانبي فترة مرضي ، كيف لي التغلب على المرض ؟ ونسيان تصرفات زوجي ؟ سؤال آخر : زوجي يمنعني من الاتصال بأي شيخ لأستفتيه وأحيانا أكون مضطرة للسؤال أو متابعة حالتي مع معالج , فهل علي شيء ؟

الجواب

الحمد لله.



أولا :
اقتضت حكمة أحكم الحاكمين جل وعلا ، أن يبتلي عباده بالخير والشر ، والسراء والضراء ، لينظر صبرهم وشكرهم, قال تعالى : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )الأنبياء/35 .
وقد حث سبحانه عباده على دعائه والتضرع إليه سبحانه إذا نزل بهم بلاء ، أو وقع بهم ضر, قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام/ 42، 43 .

ثانيا :
الذي ننصحك به في هذا المقام : أن تقومي بين يدي الله تعالى ، تشكين إليه بثك وحزنك ، وتسألينه أن يفرج عنك ما نزل بك ، وأن يرفع عنك هذا البلاء .
ونذكرك ببعض ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من أدعية تخص المكروب :
روى أحمد (3528) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ) . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) .
وروى أبو داود (5090) ، وأحمد (27898) عن أَبِي بَكْرَةَ أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ : اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو ، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ) والحديث حسنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وروى البخاري (6346) ، ومسلم (2730) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " وَهُوَ حَدِيث جَلِيل , يَنْبَغِي الِاعْتِنَاء بِهِ , وَالْإِكْثَار مِنْهُ عِنْد الْكُرَب وَالْأُمُور الْعَظِيمَة , قَالَ الطَّبَرِيُّ : كَانَ السَّلَف يَدْعُونَ بِهِ , وَيُسَمُّونَهُ دُعَاء الْكَرْب , فَإِنْ قِيلَ : هَذَا ذِكْر وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاء ؟ فَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ هَذَا الذِّكْر يُسْتَفْتَح بِهِ الدُّعَاء ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ , وَالثَّانِي : جَوَاب سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ فَقَالَ : أَمَا عَلِمْت قَوْله تَعَالَى : ( مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَل مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ ) وَقَالَ الشَّاعِر :
إِذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْء يَوْمًا * كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضه الثَّنَاء " انتهى .
ثالثا :
وأما علاج العين والحسد ، فقد سبق الحديث عنه في الفتوى رقم : (146637) والفتاوى التي أحيل عليها فيها.

رابعا :
وأما بخصوص استفتاء الزوجة أهل العلم في الأمور الدينية التي تحتاجها ، فهذا أمر يجب على زوجها أن يكفيها فيه, فيسأل لها من عنده من أهل العلم ، ويبلغها عنهم ما أفتوه به .
وإن كان الأمر يحتاج إلى مباشرتها للسؤال والسماع ؛ فليصطحبها هو معه ، أو يصحبها بعض محارمها ، إلى من يثقون في علمه ودينه .
فإن لم يكفها : جاز لها الخروج لتستفتي في أمور دينها التي تحتاجها, مع الاحتياط لنفسها باختيار من يوثق في علمه ودينه ، ومراعاة أدب الشرع في ذلك ، ولا سيما عدم الخلوة ، وعدم الخضوع بالقول ، ونحو ذلك .

ولا يجوز لزوجها أن يمنعها ، متى احتاجت إلى ذلك في أمر دينها ، ووقفت عند حد الأدب الشرعي؛ فإن منعها : جاز لها الخروج بدون إذنه .
قال الرملي الشافعي وهو يعدد الحالات التي يجوز للزوجة فيها الخروج دون إذن الزوج ، ولا تعتبر فيها ناشزا : " أَوْ تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِقَاضٍ ، تَطْلُبُ عِنْدَهُ حَقَّهَا ، أَوْ لِتَعَلُّمٍ ، أَوْ اسْتِفْتَاءٍ ، إنْ لَمْ يُغْنِهَا الزَّوْجُ الثِّقَةُ . أَيْ : أَوْ نَحْوُ مَحْرَمِهَا ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ" .
انتهى من " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " (7 / 206).
وقال الشبراملسي في حاشيته معلقا" (قَوْلُهُ: أَوْ لِتَعْلَمَ) أَيْ : لِلْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ ، لَا الدُّنْيَوِيَّةِ .
(قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِفْتَاءً) أَيْ لِأَمْرٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِخُصُوصِهِ ، وَأَرَادَتْ السُّؤَالَ عَنْهُ ، أَوْ تَعَلُّمَهُ . أَمَّا إذَا أَرَادَتْ الْحُضُورَ لِمَجْلِسِ عِلْمٍ لِتَسْتَفِيدَ أَحْكَامًا تَنْتَفِعُ بِهَا ، مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَيْهَا حَالًا، أَوْ لِحُضُورٍ لِسَمَاعِ الْوَعْظِ : فَلَا يَكُونُ عُذْرًا " . انتهى من " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج مع حاشية الشبراملسي " (7 / 206).

وبهذا تعلمين أنه إذا نزل بك أمر ، أو ألمت بك حادثة احتجت فيها إلى سؤال أهل العلم : فيمكنك أن تطلبي من زوجك ، أو بعض محارمك ، أن يسأل لك عنها ، إذا كان ثقة في دينه وفهمه ، بحيث لا ينقل كلام أهل العلم على غير وجهه, فإن لم يكن كذلك جاز لك أنت الاتصال بمن تثقين في دينه وعلمه لاستفتائه في أمر نزل بك ، تحتاجين معرفة حكمه .

أما الرقية الشرعية فلست بحاجة تبيح لك الخروج من غير إذن زوجك ، ومرافقته ، بل يمكنك أنت ممارستها بنفسك ، أو يقوم بذلك زوجك ، أو بعض محارمك .
وأما ما ذكرت من أنك لا تنسين لزوجك طلاقه لك ، أو رغبته في النكاح ؛ فإننا نقول لك ـ يا أمة الله ـ : إنك لن تحصدي من ذلك سوى تنغيص العيش عليك ، ليل نهار ، بل الذي ينبغي أن تنسي ذلك كله ، وتصفحي عن زوجك ، إذا قُدِّرَ أنه أساء إليك ، أو قَصَّر في حقك ، وقد أمر الله عباده بالعفو والصفح ، فقال : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران/134 ، وقال تعالى : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) الحجر/85-86 ، وقال تعالى : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/22 .
وإذا كان العفو والصفح فضيلة مشروعة متأكدة في حق عامة الناس ؛ فلا شك أنها في أمر الزوجة مع زوجها آكد ، وأعظم .
وهذا كله ، إذا قدرنا أنه لم يكن منك سبب ، استوجب منه ذلك .
فكيف إذا كان ظاهر الحال ، وما تذكرينه من التقصير والتفريط ، مما يوقع شيئا من النفرة في النفوس ، والرغبة في تعويض ما فاتها من النقص ، والرجل بشر من البشر ، له حاجات ، وكل إنسان له طاقة ، وله تحمل .
والحاصل : أن الذي ندعوك إليه ، وننصحك به : أن تطوي صفحة الماضي ، وما فيها من الآلام مع زوجك ، وتذكري ما له من جميل الخصال والصفات ؛ بل يكفيك أن تذكري منه : ما يمكنك التعايش معه ، ويعينكما على إكمال مسيرة الحياة الزوجية سويا .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (137780) ، ورقم : (219214) ، ورقم : (21457) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب