الحمد لله.
خلق الله تعالى هذه الأكوان بالحق ، لا عبثا ولا لهوا ، ونصب كل شيء من خلقه دلائل وحدانيته ، وأمر الخلق بطاعته وعبادته وحده ، وخلق الجنة والنار ، فمن أطاعه من خلقه أدخله الجنة ، ومن عصاه أدخله النار.
قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) هود/ 7 .
وقال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الملك/ 2 .
وقال تعالى : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) سورة ص/ 27 . .
قال السعدي رحمه الله :
" وإنما خلق الله السماوات والأرض بالحق وللحق ، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته وسعة سلطانه، وأنه تعالى وحده المعبود ، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السماوات والأرض ، وأن البعث حق ، وسيفصل الله بين أهل الخير والشر " .
انتهى من "تفسير السعدي" (ص 712) .
فإذا أذن الله بانقضاء أيام الدنيا ،
أفنى هذه الأكوان ، بعد أن قامت بها الحجة البالغة لله تعالى على خلقه ، ثم أقام
الساعة ، ونصب الميزان ، ونشر دواوين الخلق ، وأقام الشهود العدول ، وأدخل أهل
طاعته الجنة ، وأدخل أهل معصيته النار .
قال عز وجل : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ
الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ
الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ
عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ *
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) الحاقة/ 13 – 18 .
وقال : ( يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ
كَالْعِهْنِ ) المعارج/ 8، 9 .
وقال : (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ * فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا
السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ) المرسلات/ 7 – 10 .
وقال عز وجل : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ *
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ
حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ *وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا
الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ *
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ
أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ) التكوير/ 1 – 14 .
وقال سبحانه : ( إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ
* وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ
مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) الانفطار/ 1 – 5 .
وقال سبحانه : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ
وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) إبراهيم/ 48 .
وروى البخاري (6548) ، ومسلم (2850) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا صَارَ أَهْلُ الجَنَّةِ إِلَى
الجَنَّةِ ، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ
بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : يَا
أَهْلَ الجَنَّةِ لاَ مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ ، فَيَزْدَادُ
أَهْلُ الجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا
إِلَى حُزْنِهِمْ ) .
وينظر جواب السؤال رقم : (10087) .
فتفنى الأكوان ، وتبدل الأرض غير الأرض والسموات ، ويحق الله الحق بكلماته ، ويحكم
بين الخلائق بالقسط ، ويسكن أهل الجنة الجنةَ وأهل النار النارَ ، خالدين مخلدين .
ثم يكون في الجنة فضل ، فينشئ الله
خلقا آخر فيسكنهم فضل الجنة ، كما روى البخاري (7384) ، ومسلم (2848) عَنْ أَنَسٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لاَ يَزَالُ يُلْقَى
فِيهَا وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ العَالَمِينَ
قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ، قَدْ،
بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ ، وَلاَ تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ، حَتَّى يُنْشِئَ
اللَّهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ ) .
وليس بعد ذلك خلق يُخلق ، أو عالم يوجد ، للابتلاء ، أو الحشر والحساب .
والعاقل يعدّ لهذا اليوم عدته ، ويعمل
عمل أهل الجنة ، عسى أن يكون من أهلها بفضل الله ورحمته .
أما انشغال السائل هذا الانشغال الذي أورثه الحيرة ، فمما لا وجه له ، ولو أن هناك
خلقا آخر يخلقهم الله يرثون أهل الأرض بعد يوم القيامة ، لأخبرنا الله بخبرهم
ورسوله .
فلا نقفو ما ليس لنا به علم ، ونقف عند نصوص الشرع وما دلت عليه .
والأولى بالأخ السائل أن ينشغل بما خُلق لأجله ، من طاعة الله وعبادته ، ويسأل عن سبيل نجاته في ذلك اليوم العصيب .
والله تعالى أعلم .
تعليق