الحمد لله.
إذا اتفق مجموعة من الأشخاص على الخروج للبرية ، والاشتراك في جني شيء ما ، كالكمأة – الترفاس – أو جني شيء من المباحات ، ثم يقتسمون الناتج بينهم ، فهذا نوع من أنواع الشركات يسميها العلماء بـ " شركة الأبدان " .
وممن ذهب إلى جوازها المالكية والحنابلة .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" معنى شركة الأبدان ، أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم ، كالصناع يشتركون على أن يعملوا في صناعتهم ، فما رزق الله تعالى فهو بينهم .
وإن اشتركوا فيما يكتسبون من المباح ، كالحطب ، والحشيش ، والثمار المأخوذة من الجبال ... فهذا جائز . نص عليه أحمد ... وبهذا قال مالك " انتهى من المغني (7 / 111) .
ومن صور شركة الأبدان : أن
يشترك الجميع بالعمل ، ثم يزيد أحدهم بالمشاركة بالآلة التي يعملون بها ، أو المكان
الذي يعملون فيه . قال البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/619) في أحكام شركة
الأبدان :
"وَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ آلَةٌ ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ ، أَوْ
لِأَحَدِهِمَا بَيْتٌ ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ
يَعْمَلَا بِآلَةٍ ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِي الْبَيْتِ ، وَالْأُجْرَةُ
بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا ، أَوْ مُتَفَاضِلَةً : جَازَ" انتهى .
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله تعالى :
" عن جماعة شهود ، اشتركوا ، فعمل بعضهم أكثر من بعض ، فهل يستحق الجماعة الجعالة
بالسوية ، أو يستحقونها على قدر أعمالهم ؟
فأجاب:
موجب عقد الشركة المطلقة : التساوي في العمل والأجر .
فإن عمل بعضهم أكثر ، تبرعا بالزيادة : ساووه في الأجر .
وإن لم يكن متبرعا : طالبهم ؛ إما بما زاد في العمل ، وإما بإعطائه زيادة في الأجرة
بقدر عمله.
وإن اتفقوا على أن يشترطوا له زيادة : جاز . والله أعلم ".
انتهى من " مجموع الفتاوى " (30 / 97) .
وفي الصورة الواردة في السؤال : إن كان صاحب السيارة قد شاركهم في العمل ، فمقتضى
العدل أن تزيد نسبته فيما حصلوه من الربح ، عن نسبة الباقين ؛ لأنه عمل كما يعملون
، وزاد عليهم أنه حملهم بسيارته ، وهذا له أجرة ، كما لا يخفى على أحد ، وكما جرى
عليه عمل الناس .
قال المرداوي رحمه الله تعالى :
" لكن لو استأجر أحدهما – أي الشريكين - الآخر فيما لا يستحق أجرته إلا بعمل فيه ؛
كنقل طعام بنفسه ، أو غلامه ، أو دابته ، جاز ، كداره – أي كإجارة داره لحفظ بضاعة
الشركة - . قدّمه في " الفروع " . وقال : نقله الأكثر . وقدّمه في " المغني " ، و"
الشرح " . ذكراه في المضاربة ... " انتهى من " الإنصاف " (14 / 43) .
وقد أجاز بعض أهل العلم ،
ومنهم الحنابلة : أن تكون الأجرة في الإجارة هي نسبة من الربح الذي يعمل فيه العامل
، وقاسوه على المزارعة والمساقاة حيث يجوز العمل في الأرض الزراعية على أن يأخذ
نسبة من الناتج .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها ، وما يرزق الله بينهما نصفين أو أثلاثا
أو كيفما شرطا ، صح ، نص عليه في رواية الأثرم ومحمد بن أبي حرب وأحمد بن سعيد .
ونقل عن الأوزاعي ما يدل على هذا ...
يشبه المساقاة والمزارعة ، فإنه دفع لعين المال إلى من يعمل عليها ببعض نمائها مع
بقاء عينها ...
وقد أشار أحمد إلى ما يدل على تشبيهه لمثل هذا بالمزارعة " انتهى من " المغني " (7
/ 116) .
وإن كان قد حملهم في سيارته فقط ، ولم يشاركهم في جني الكمأة ـ الترفاس ـ : فهذه النسبة التي اتفقوا عليها ، هي في الواقع أجرة سيارته في هذه الرحلة ؛ وقد اتفقوا على قدر هذه الأجرة ، والمسلمون على شروطهم ، والإجارة ـ كالبيع ـ مبناها على التراضي .
تعليق