الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

الجمع بين اختلاف السنوات في أحاديث كتابة المقادير

239713

تاريخ النشر : 19-03-2016

المشاهدات : 19682

السؤال


في " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم " و " موطأ الإمام مالك " و " سنن أبي داود " و " الترمذي " عنه صلى الله عليه وسلم بألفاظ متباينة متعددة ، مفادها: قال عليه الصلاة والسلام: (تحاج آدم وموسى ، فقال موسى عليه السلام : أنت آدم أبونا، وخلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسكنك جنته ، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة -هذا كلام موسى عليه السلام - فقال آدم عليه السلام: أنت موسى بن عمران نبي بني إسرائيل ، كتب الله لك التوراة بيده ، واصطفاك وكلمك وقربك نبياً، أتلومني على أمر قد كتبه الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين عاماً ؟ قال عليه الصلاة والسلام: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى) . ويقول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ) فكيف نجمع بين هذا وهذا؟ أرجو أن تجيبوني إجابة شافية وواضحة ، فقد سألني ملحد هذا السؤال ، وقال : إن هذا دليل على تناقض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .

الجواب

الحمد لله.


روى مسلم (4797) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) .
وروى البخاري (6614) ، ومسلم (2652) عن أبي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) ثَلاَثًا ".

ولا تعارض بين هذين الحديثين بحمد الله ، كما أنه لا تعارض بين شيء من خبر الله وخبر نبيه صلى الله عليه وسلم كله ، فكله من عند الله ، وما كان من عند الله ، فإنه لا يتعارض ، ولا يتناقض ؛ قال الله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/83 ,
فعلم بذلك أن كل ما هو من عند الله ـ سواء كان ما في القرآن ، أو ما أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ـ فلا تعارض فيه ، ولا تناقض ، ولا تفاوت ولا اختلاف .

وبيان ذلك : أن الحديثين يتحدثان عن نوعين مختلفين من تقدير أعمال العباد ، أحدهما كان قبل خلق الخلائق كلها ، بخمسين ألف عام ، وهو التقدير العام الأول .
والتقدير الثاني : هو تقدير أحوال آدم وذريته فحسب ، وليس تقديرا لكل الخلائق .
فالتقدير العام لكل الخلائق كتبه الله قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة .
ولما كان لآدم شأن ، أعظم من غيره من المخلوقات ، ولما كان له هو وذريته شأن يخصه : قدر الله ما يخصه تقديرا آخر ، لا يخالف التقدير الأول السابق في قيد أنملة ، وإنما يكتبه كتابة جديدة ، في صحف أخرى ، سوى ما كتب فيها التقدير الأولى .
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في "عقيدته" : (ونؤمن باللوح والقلم، وبجميع ما فيه قد رُقِم) .
قال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله في شرح ذلك :
" (وبالقلم) أي: قلم المقادير الذي ورد فيه حديث عبادة بن الصامت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: ما هو كائن إلى يوم القيامة) ، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وهذا القلم هو قلم المقادير الأول، والمقادير أو التقديرات أنواع، وكل قَدر له قلم يناسبه؛ لأن الكتابة تكون بالقلم.
فالقدر الأول هو القدر العام لجميع المخلوقات.

والتقدير الثاني : الذي قدر الله فيه أمور آدم وذريته، وهو الذي أُشير إليه في حديث احتجاج آدم وموسى، وأن آدم عليه السلام قال لموسى عليه السلام: (هل وجدت في التوراة: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)؟ قال: نعم. قال: أفتلومني على أن عملتُ ، عملا كتبه الله عليَّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فحج آدم موسى) .

والتقدير الثالث: وهو التقدير المختص بكل إنسان، كما في الحديث المتفق على صحته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال ـ في الجنين عندما يبلغ أربعة أشهرـ: ( فيأتيه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ..) .

والتقدير الرابع، وهو التقدير الحولي: وهو ما يكون في ليلة القدر: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 3 - 4]، وسميت ليلة القدر؛ لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة إلى مثلها.

وهذه التقديرات لا تخالف ولا تناقض التقدير الأول العام.
فنؤمن باللوح والقلم ولا نتكلم في كيفية اللوح، وكيفية القلم، وكيفية تلك الكتابة، فالله أعلم كيف كانت تلك الكتابة، كل ذلك غيب يجب أن نمسك عنه، ولا نخوض فيه، ولا نفكر فيه" .
انتهى من "شرح العقيدة الطحاوية" (180-181) .

وقال ابن القيم رحمه الله في حديث آدم وموسى : " وهذا التقدير بعد التقدير الأول السابق بخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة " .
انتهى من "شفاء العليل" (ص 13) .
وينظر : "فتح الباري" (11/ 508-509) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب