السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

شبهات حول تحريم الاختلاط ، والجواب عنها .

243398

تاريخ النشر : 18-09-2016

المشاهدات : 18629

السؤال


هناك من العلماء من أجاز الاختلاط ، وذكر عدة أدلة تظهر أنها قوية ، ومنها : جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: " جاء رجل إلى رسول الله فقال إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت : والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك ، حتى قلن كلهن مثل ذلك ؛ لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ، فقال : ( من يضيف هذا الليلة رحمه الله ) فقال : رجل من الأنصار أنا يا رسول الله ، فانطلق به إلى رحله ، فقال لامرأته : هل عندك شيء ، قالت : لا ، إلا قوت صبياني ، قال : فعلليهم بشيء ، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج ، وأريه أنا نأكل ، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه ، قال : فقعدوا فلما أصبح ، غدا على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة) ، فأنزل الله تعالى فيهما في كتابه العزيز قوله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ".

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: " أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس ، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم ، فكره ذلك ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد برأها من ذلك)، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: ( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان). قلت: أخرجه مسلم ، والنسائي ، وابن حبان، وفيه جواز الاختلاط ، كما يفيده الحديث ، والمغيبة هي ذات الزوج التي غاب عنها زوجها.

وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ، وهو يضحك، قالت فقلت: وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: ( ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر... الحديث ). قلت: أخرجه البخاري ، ومسلم، وفيه جواز دخول الرجل على المرأة في غير تهمة ، وفيه جواز فلي المرأة رأس الرجل ، ونحوه القص والحلق .

وقصة أم حرام هذه وقعت بعد نزول الحجاب ، وبعد حجة الوداع كما حكاه ابن حجر في الفتح في شرح كتاب الاستئذان ، وقد أشكل توجيهها على البعض فقال ابن عبدالبر: أظن أن أم حرام قد أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم أو أختها أم سليم ، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة.

قلت: لم يذكر ابن عبد البر لذلك دليلا إلا قوله أظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، وليس له في ذلك مستند يعتمد عليه ، فإن أمهات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع معلومات . فما الرد عليها ؟

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
الدعوة إلى الاختلاط من أفسد الدعوات ، وتؤدي إلى شيوع الفاحشة بين المؤمنين ، وقد قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النور/ 19 .
وقد سبق بيان بعض الأدلة الشرعية التي تدل على تحريم الاختلاط ، وما يترتب عليه من مفاسد.
انظر الفتوى رقم : (1200) ، و (103044) .
وهذا ردّ موجز عن هذه الشبهات المذكورة :
أما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا) ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي ، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ ، فَبَاتَا طَاوِيَيْن ِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا) فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) الحشر/ 9 .
رواه البخاري (3798) ، ومسلم ( 2054 ) .
فهذا كان قبل نزول الحجاب ، وبيان ذلك : أن هذه القصة كانت سببا في نزول قوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) كما في الحديث ، وهي آية من سورة الحشر ، وسورة الحشر نزلت في إثر جلاء بني النضير ، فروى البخاري (4882) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الحَشْرِ، قَالَ: " نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ " .
وقال يزيد بن رومان: " نزلت في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله عزّ وجل به من نقمته، وما سلط عليهم به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وما عمل به فيهم " .
انتهى من " تفسير الطبري " (23/ 263) .
وكان إجلاء بني النضير سنة أربع .
انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 43)، "أسد الغابة" (3/556) .
وسورة الأحزاب – والتي فيها أمر النساء بالحجاب – نزلت بعد غزوة الأحزاب ، وقد كانت سنة خمس .
انظر : "البداية والنهاية" (5/560) .
فهذه القصة كانت قبل نزول الأمر بالحجاب .
وأما حديث : (لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ):
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ - فَرَآهُمْ ، فَكَرِهَ ذَلِكَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ) . ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : (لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ) رواه مسلم (2173) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم : (145489) بيان : أن هذا الحديث إنما أفاد دخول بعض أهل الخير والصلاح من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على أسماء بنت عميس رضي الله عنها - وهي من السابقين الأولين - مدة يسيرة ؛ للاطمئنان على أبناء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، والسؤال عنهم ، وتفقد أحوالهم .
وليس في الحديث ما يدل على جلوس أسماء بنت عميس رضي الله عنها مع هؤلاء الرجال ، فهم قدموا لغاية الجلوس مع أبناء جعفر ، وليس للجلوس مع أسماء ، ثم لو فرضنا جلوس أسماء معهم فلا شك أنها كانت بالحجاب الكامل .
فأين هذا مما يحصل اليوم من اختلاط الرجال بالنساء المتبرجات ، والتحدث إليهن ، ومضاحكتهن ، ومسامرتهن ، ومصافحتهن ، إلى غير ذلك مما يحصل بين الناس بسبب الاختلاط ، دون وازع من خلق أو دين ؟!

وأما حديث دخول النبي صلى الله عليه وسلم على أم حرام رضي الله عنها : فقد بينا في الفتوى رقم : (20127) أن أم حرام كانت من محارم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نقل النووي رحمه الله اتفاق العلماء على ذلك .
ومن خالف اتفاق العلماء ، لينشر باطلا أو بدعة ، أو يحل ما حرم الله ؛ فهو مستحق للوعيد المذكور في قوله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) النساء/115 .
وقد حذر العلماء من هؤلاء الذين يحاولون تبرير الباطل بأدلة من القرآن والسنة ، وأن هؤلاء لم يحسنوا فهم الأدلة الشرعية ، ولا الاستدلال بها .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في رسالته : "خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله" :
"... والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه " وذكر بعض هذه الأدلة ثم قال :
"وقد يتعلق بعض دعاة الاختلاط ببعض ظواهر النصوص الشرعية التي لا يدرك مغزاها إلا من نور الله قلبه وتفقه في الدين ، وضم الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض ، وكانت في تصوره واحدة لا يتجزأ بعضها عن بعض " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (1/432) .
وقال الشيخ محمد بن لطفي الصباغ في خاتمة رسالته "تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط المستهتر" (ص37) :
"هذا وإني أرى ألا تخلو هذه الكلمة المتواضعة من التنبيه إلى رأي خاطئ يقع فيه كثير من الناس ، بعضهم مخطئ عن اجتهاد ، وأكثرهم مغرض دساس ، وذلك عندما يعمدون إلى الاستشهاد بحوادث أوردتها كتب السنة ، فيريدون أن يعمموها ويسحبوها على ما يقع اليوم من اختلاط مستهتر هدام ، فقد كتب بعضهم مقالات في صحف ومجلات ، وردّ عليهم آخرون في مقالات ورسائل ، ولست أريد أن أدخل في تفصيلات الرد عليهم ، ويكفيني هنا أن أنبه إلى القولة الباطلة ، وأن أكشف عن القصد السيء عند أكثر القائلين بها ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
فلنتنبه يا عباد الله ، ولندرأ عن أنفسنا الوباء والخطر قبل حلوله ، ولنحذر مكر الشيطان .. فإنه شر مستطير على أنفسنا وأهلينا وأمتنا " انتهى .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب