الحمد لله.
أولا :
هذا الكلام هو مختصر ما ورد في كتاب : "حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح" لأحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي رحمه الله . وليس في " مراقي الفلاح " للفقيه الحنفي حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي رحمه الله .
ثانيا :
شرعت الأذكار الشرعية صيانة للإنسان من الشيطان الرجيم ، وحفظا له من كيده ومكره ووساوسه ، وإتماما لنعمة ربه عليه ، فالذكر حياة القلوب ، ونور الأبصار ، وقرة العيون ، وبهجة النفوس ، ومن كان من أهل ذكر الله كان من أهل السعادة في الدنيا والآخرة .
أما ذكر الله بقصد الاستعانة على المعصية فهو فعل محرم ، لأنه لا يستعان بالله ولا بذكره على معصيته ، وإنما يستعان بالله وبذكره على طاعته .
وقد ذكرنا في إجابة السؤال رقم : (106508) أن ذكر الله عند مشاهدة المنكرات
الظاهرة كصور النساء : محرم لا يجوز ، لما فيه من امتهان ذكر الله ، وعدم تعظيم
شعائره .
وينظر أيضا للفائدة جواب السؤال رقم : (105316) ، ورقم : (113853) .
وكون الإنسان يواظب على أذكار الصباح والمساء ، وهو عازم على فعل المعصية : لا
حرج عليه في هذا الذكر ، لأنه لا يذكر الله استعانة به على معصية الله ، ولا عند
التلبس بالمعصية ، ولكنه يذكر ربه كما شرع ، ويخلط معه ما نهاه الله عنه ، فعسى أن
يستقبل مثل هذا التوبة ، ويكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا ، فعسى الله أن يتوب
عليه .
قال جعفر بن يونس الشبلي : " كنت في قافلة بالشام فخرج الأعراب فأخذوها وأميرهم
جالس يعرضون عليه، فخرج جراب فيه لوز وسكر فأكلوا منه إلا الأمير، فما كان يأكل،
فقلت : له لم لا تأكل؟ قال : أنا صائم، قلت : تقطع الطريق وتأخذ الأموال وتقتل
النفس وأنت صائم !!
قال: يا شيخ أجعل للصلح موضعا !
فلما كان بعد حين رأيته يطوف حول البيت وهو محرم كالشن البالي [أي : كالقربة
القديمة ، والمراد : أنه يظهر عليه أثر الاجتهاد في العبادة] فقلت: أنت ذاك الرجل؟
فقال: ذاك الصوم بلغ بي إلى هذا " انتهى من " تاريخ دمشق " (66/ 51) .
فقد يتوب الله تعالى على هذا العاصي ويوفقه للتوبة بسبب ذكره لله تعالى .
وقد قال الله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/ 7، 8 ، قال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله :
" وَأَمَّا الْعَدْلُ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ: فَهُوَ أَنْ لَا
يَظْلِمَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَأَنَّهُ: مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " انتهى من "مجموع
الفتاوى" (7/ 493) .
ومن خرج من بيته قاصدا فعل المعصية ، فقال ذكر الخروج : ( بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ، أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا): لم يكن في فعله ذلك استخفاف بالذكر ، ولا استعانة به على معصية الله ، فليس هو داخلا في صورة النهي عن ذكر الله عند المعاصي .
وإنما الذي يجب على مثل هذا العبد : أن يهتم بحال نفسه ، وهو عازم على معصية ربه
، ولا يدري ما يختم به عمله ؟ وهل يوفق لتوبة بعد تلك المعصية ، أو يقبض عليها ، أو
يحرمه الله من التوبة النصوح ، ويمده في معاصيه .
فلينصح العاقل نفسه ، وليعظم مقام ربه ، أن يبارزه بمعصيته ، أو يعقد قلبه عليها ،
وليبادر بالتوبة النصوح ، وليعزم على ترك سبيل المعاصي .
ومتى غلبته نفسه على شيء من ذلك ، فليبارد بالتوبة ، من غير تسويف ، ومن أول توبته
: أن يقلع عن معاصيه ، ويندم عليها ، ويوطن نفسه ، بعزم صادق مع رب العالمين : ألا
يعود إليها، في دهره أبدا .
والله أعلم .
تعليق