الحمد لله.
أولا:
الفتوى تقوم على أمرين : معرفة الواقع ، ومعرفة حكم الله فيه.
قال ابن القيم - رحمه الله : " ولا يتمكن المفتي ، ولا الحاكم ، من الفتوى ، والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم :
أحدهما : فهْم الواقع والفقه فيه ، واستنباط علم حقيقة ما وقع ، بالقرائن ، والأمارات ، والعلامات ، حتى يحيط به علماً .
والنوع الثاني : فهم الواجب
في الواقع ، وهو فهم حكم الله الذي حكم به ، في كتابه ، أو على لسان رسوله في هذا
الواقع ، ثم يطبق أحدهما على الآخر" انتهى من " .
إعلام الموقعين " (1 / 87).
والواقع الذي أشار إليه
السائل معروف، وهو كثرة افتتان الكبار والصغار بالألعاب، وكون محلات الألعاب يغلب
فيها هذه الأنواع المحرمة التي أشرنا إليها، وهذا لا يدعو لإباحتها كما يظن، بل
الواجب بيان الحكم الشرعي على ما تقتضيه الأدلة المعتبرة.
فالمعازف محرمة ، ويحرم اللعب بما اشتملت عليه إلا مع كتم صوتها، ولا يؤثر في هذا
الحكم كون أكثر المقاهي أو محلات الألعاب وأكثر روادها لا يراعون ذلك ، وقد قال
تعالى في بيان كثرة الباطل وأهله: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ
يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) الأنعام/116، ولو أن كل مفت ومجيب نظر إلى شيوع
الحرام وانتشاره ، فأجازه متوهما أن هذا من تقليل الشر، ومن ارتكاب أدنى المفسدتين،
لانتهى الحال إلى إباحة أكثر المحرمات.
ثانيا:
ما ورد في الجواب رقم: (2898) ليس فيه
تحريم جميع الألعاب ولا أغلبها، وإنما تحريم ما اشتمل على المحرمات فحسب .
وتربية النشء على تمجيد الكفار وإظهارهم بمظهر القوة، وإظهار المسلمين دائما بمظهر
الضعف، مفسدة عظيمة، لا يستريب عالم بتحريم ما يؤدي إليها.
وليس منطقيا أن تصنع لعبة وتجعل بلدك هو الفائز دائما! فهذا ليس لعبا، وإنما هو غزو موجه، فكيف لا يمنع ؟
والضابط المذكور في الجواب المشار إليه تعرّض لأمر خطير وهو ما يتعلق بالجيوش والحرب، فإذا كانت اللعبة مبنية على أنه لا ينتصر إلا جيش الدولة الكافرة ، مما يدعو لاختيارها واللعب باسمها ، والوقوف في وجه كل دولة مسلمة ، فهذا منكر عظيم ، يوجب خللا نفسيا بالغا في ولاء المؤمن لأهل الإسلام ، وبراءته من أهل الكفر، فأي منطق يبيح هذا؟!
ولا يقال: إن هذا مجرد لعب! فإنه لا يشك أحد في أثر هذه الألعاب نفسيا وسلوكيا.
والألعاب التي تشجع على العنف ، وتعلم السطو والإجرام ، وتسهل القتل ، منتشرة بين الناس انتشارا عظيما، وهذا لا يدعو لإباحتها، بل يدعو إلى محاربتها ومقاومتها وتحذير الناس منها؛ فإن أثرها النفسي شديد الخطر.
97681)
، ورقم : (237205) وستجد أن عامتها ألعاب
منتشرة بين أبناء المسلمين، تعج بها مقاهي الألعاب ، وذلك لا يدعونا للترخيص فيها!
ثالثاا:
ليس صحيحا ما ذكره السائل من أن تحريم هذه الألعاب المنتشرة قد يؤدي إلى مشاهدة
الأفلام الإباحية ، فهذه الأفلام يشاهدها من يشاهدها، وربما كان أكثرهم ممن يلعب
تلك الألعاب .
ومن استجاب لحكم الشرع وترك لعبة معينة ، فهو أولى من يستجيب لحكم الشرع فيدع النظر
إلى تلك القاذورات .
رابعا:
كون بعض الفقهاء أباح الاستمناء عند خشية الوقوع في الزنا، هذا أمر خاص مقيد بهذا
القيد الذي لا يتحقق إلا لقلة من الناس ، وهو أن يكون محاطا بأسباب الفتنة، بحيث
يقرب من مواقعة هذه الكبيرة العظيمة ، ويكون الاستمناء حاجزا له عنها.
فليس الأمر كما يظنه البعض : أنه كلما هاجت شهوته استمنى وقال أخشي الوقوع في
الحرام، وقد عافاه الله من أسباب الزنا والقرب منه .
وتجويز هذا الاستمناء في الحالة المذكورة لا يعني انتفاء ضرر الاستمناء، بل يباح مع
الاعتراف بضرره ، لكنه من باب ارتكاب أخف الضررين، فقولك في القياس: إن الألعاب لا
ضرر منها طالما تدفع ضررا أكبر، لا يصح.
وقد تقدم أن ترك هذه الألعاب لا يؤدي إلى ما ذكرت ، لا يقينا، ولا ظنا غالبا، بل الأمر بالعكس، وهو أن من ترك هذه الألعاب المحرمة استجابة لحكم الشرع، فهو أقرب الناس لترك مشاهدة تلك الأفلام.
وينبغي على الدعاة وطلب
العلم توجيه الناس إلى البدائل النافعة، وشغلهم بالطاعات، وعدم التأثر بضغط الواقع
بما يؤدي إلى إباحة المحرمات وتسويغ المنكرات.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
تعليق