الحمد لله.
لا شك أن الاستزادة من الصالحات أهم أسباب زيادة الأجور ورفعة الدرجات عند الله ، وكلما ارتقى المسلم في درجات الجنان أصاب من فضل النعيم ما لا يكون لمن هو دونه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ ، مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُم ، قَالَ: ( بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ) رواه البخاري (3256) ، ومسلم (2831)
فمن طلب المزيد مما عند الله من النعيم ، فعليه بالمزيد من التقوى والعمل ، وذلك يسير على من يسره الله عليه .
وأما غرس الأشجار وبناء القصور في الجنان فقد تصحبه زيادة مساحة ما للعبد المؤمن عند ربه من جزاء، وقد يكون غرسا وبناء فيما له عند ربه من جنان ، دون زيادة مساحة خاصة لهذا الغرس والبناء، والله أعلم بما سيكون ، حيث لم تسعفنا النصوص الشرعية ببيان حقيقة الأمر .
ولا نرى الخوض في هذه الدقائق إلا من التكلف الذي نهينا عنه ، ومن الاشتغال بما لا طائل تحته ، فموضع شبر في الجنة خير من الدنيا وما فيها، والناجي هو الذي يزحزح عن النار ويدخل الجنة، كما قال تعالى: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)آل عمران/ 185، فإذا استغرق المسلم في تحصيل أسباب هذا الفوز ، شغله ذلك عن تكلف السؤال عن مساحات ما للمؤمنين، وعن حقيقة ما يتم عند غرس أشجار الجنان وبناء قصورها.
عَنْ أَبِي نَعَامَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه سَمِعَ ابْنًا لَهُ يَقُولُ: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ مِنَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا عَنْ يَمِينِي ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ سَلِ اللهَ الْجَنَّةَ ، وَتَعَوَّذْهُ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( سَيَكُونُ بَعْدِي قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَالطَّهُورِ) " رواه أحمد في "المسند" (27/356).
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
بارك الله فيكم هذا السائل أحمد صالح يقول: هل المرأة الصالحة في الدنيا تكون من الحور العين في الآخرة؟ أرجو منكم الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
المرأة الصالحة في الدنيا- يعني: الزوجة- تكون خيراً من الحور العين في الآخرة، وأطيب وأرغب لزوجها، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن أول زمرة تدخل الجنة على مثل صورة القمر ليلة البدر.
فضيلة الشيخ:
هل الأوصاف التي ذكرت للحور العين تشمل نساء الدنيا في القرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
الذي يظهر لي أن نساء الدنيا يكن خيراً من الحور العين حتى في الصفات الظاهرة والله أعلم، ونحن نقول لأخينا السائل: هذه أسئلة لا وجه لها، أنت إذا كنت من أهل الجنة ودخلت الجنة فستجد فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ستجد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهذه التساؤلات في أمور الغيب هي من التنطع في دين الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . اصبر يا أخي حتى تدخل الجنة، فستجد ما لا يخطر لك على بال. " انتهى .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب للعثيمين " (4/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
والله أعلم.
تعليق