الحمد لله.
هذه الطريقة من الدجل، وليس لها أساس من الشرع ولا من الحس، والأسباب إذا كانت بهذا الوصف، فإنه لا يجوز مباشرتها وفعلها؛ لأنها طريق إلى الشرك وتعلق القلب بهؤلاء الدجالين، والواجب أن يتعلق قلب المسلم بالله وحده فهو الذي بيده النفع.
فهذا التصرف هو شبيه بالتمائم وغيرها التي كان يعلقها المشركون، بجامع أنها كلها تشترك في الاعتماد على أسباب لا علاقة لها بمسبباتها إلا بمجرد الأوهام والخيالات، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه أن ذلك من الشرك .
فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ ، فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ.
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا ؟!
قَالَ: إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً . فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا ، فَبَايَعَهُ ، وَقَالَ: مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (28 / 637) ، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1 / 889) .
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى :
" تميمة، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم ، فأبطلها الإسلام " انتهى . "النهاية في غريب الحديث" (1 / 197) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ الرُّقَى ، وَالتَّمَائِمَ ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ ) رواه أبو داود (3883) ، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1 / 648) .
والرقى : المقصود بها الرقى الشركية .
وَالتِّوَلَةَ : " ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره ، جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى " انتهى . من "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1 / 200) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
" فإذا كانت هذه الأمور ليست من الأسباب الشرعية التي شرعها على لسان نبيه التي يتوسل بها إلى رضاء الله وثوابه ، ولا من الأسباب القدرية التي قد علم أو جرب نفعها مثل الأدوية المباحة كان المتعلق بها متعلقا قلبه بها راجيا لنفعها ، فيتعين على المؤمن تركها ليتم إيمانه وتوحيده ؛ فإنه لو تم توحيده لم يتعلق قلبه بما ينافيه ، وذلك أيضا نقص في العقل حيث التعلق بغير متعلق ولا نافع بوجه من الوجوه ، بل هو ضرر محض .
والشرع مبناه على تكميل أديان الخلق بنبذ الوثنيات والتعلق بالمخلوقين ، وعلى تكميل عقولهم بنبذ الخرافات والخزعبلات ، والجد في الأمور النافعة المرقية للعقول ، المزكية للنفوس ، المصلحة للأحوال كلها دينيها ودنيويها . والله أعلم " انتهى . "القول السديد / المجموعة الكاملة لمؤلفات السعدي" (10 / 19) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" والأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابا نوعان:
النوع الأول: أسباب شرعية كالقرآن الكريم والدعاء ...
النوع الثاني: أسباب حسية كالأدوية المادية المعلومة عن طريق الشرع كالعسل ، أو عن طريق التجارب مثل كثير من الأدوية وهذا النوع لا بد أن يكون تأثيره عن طريق المباشرة لا عن طريق الوهم والخيال ... أما إذا كان مجرد أوهام وخيالات يتوهمها المريض فتحصل له الراحة النفسية بناء على ذلك الوهم والخيال ويهون عليه المرض وربما ينبسط السرور النفسي على المرض فيزول ، فهذا لا يجوز الاعتماد عليه ولا إثبات كونه دواء ؛ لئلا ينساب الإنسان وراء الأوهام والخيالات ، ولهذا نُهي عن لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع المرض أو دفعه ؛ لأن ذلك ليس سببا شرعيا ولا حسيا ، وما لم يثبت كونه سببا شرعيا ولا حسيا لم يجز أن يجعل سببا فإن جعله سببا نوع من منازعة الله تعالى في ملكه وإشراك به حيث شارك الله تعالى في وضع الأسباب لمسبباتها " انتهى . "فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1 / 110 – 111) .
فالواجب على المسلمة التوكل على الله تعالى في تحقيق مرادها من الزواج، وأن تباشر من الأسباب ما أرشد إليه الشرع من الأسباب الشرعية والحسية، كأن تطلب من وليها أو نسائها أن يذكرها عند من ترغب الزواج به من أهل الدين والصلاح، وراجع للأهمية الفتوى رقم (20916).
وأن تكثر من الدعاء.
قال الله تعالى :
( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة (186) .
وعليها أن تلتزم تقوى الله فهي المخرج من كل ضيق.
قال الله تعالى :
( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق (2 – 3) .
والله أعلم.
تعليق