الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

سائلة تسأل : هل يعني كون بشرة الحور العين بيضاء أن البشرة الداكنة أقل جمالاً ؟

260700

تاريخ النشر : 17-12-2016

المشاهدات : 39784

السؤال

إذا كان وصف الحور العين أنهن بيض البشرة، هل يعني هذا أن البشرة البيضاء مرغوبة بشكل أكبر. (أكثر جاذبية). وإن كان كذلك، فهل هذا يقول إن البشرة الداكنة أقل جاذبية؟

الجواب

الحمد لله.

وصف الحور العين ببياض البشرة لم يرد في نص خاص تفصيلي، فليست تلك عادة القرآن الكريم في هذا الشأن، وإنما أخذه بعض العلماء من معنى كلمة "حور عين" في اللغة العربية، ولكنه ليس معنى اتفاقيا بين العلماء، فقد خالف كثيرون، وقالوا المقصود به بياض العين أو بياض في سواد العين، وليس بياض الجسد.

وقال آخرون المقصود بالحور أنها يحار فيها الطرف من حسنها، وقال الأصمعي: ما أدري ما الحور في العين.

يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله:

"والحَوَرُ: شِدّةُ بياضِ العَيْن وشِدّةُ سَوادِها، ولا يُقال: امرأة حَوْراء إلاّ لبيضاءَ مع حَوَرِها" انتهى من "العين" (3/ 288)

ويقول أبو عبيدة معمر بن المثنى رحمه الله:

"الحوراء: الشديدة بياضِ بياض العين، والشديدة سوادِ سواد العين" انتهى من "مجاز القرآن" (2/ 246)

ويقول الجاحظ رحمه الله:

"الحور: شدة بياض العين" انتهى من "البيان والتبيين" (1/ 192)

ويقول الإمام الطبري رحمه الله:

"عن مجاهد، قوله (وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) قال: أنكحناهم حورا. قال: والحُور: اللاتي يحار فيهنّ الطرف بادٍ مُخُّ سوقهنّ من وراء ثيابهنّ، ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهنّ كالمرآة من رقة الجلد، وصفاء اللون.

وهذا الذي قاله مجاهد من أن الحور إنما معناها: أنه يحار فيها الطرف، قول لا معنى له في كلام العرب، لأن الحُور إنما هو جمع حوراء، كالحمر جمع حمراء، والسود: جمع سوداء، والحوراء إنما هي فعلاء من الحَوَر وهو نقاء البياض، كما قيل للنقيّ البياض من الطعام الحُوَّارَى. وقد بينَّا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل.

وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال سائر أهل التأويل...

عن قتادة، قوله (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) قال: بيضاء عيناء. وفي حرف ابن مسعود (بعِيس عِين).

وقرأ ابن مسعود هذه، يعني أن معنى الحور غير الذي ذهب إليه مجاهد، لأن العيس عند العرب جمع عيساء، وهي البيضاء من الإبل" انتهى من "جامع البيان" (22/ 52)

ويقول الزجاج رحمه الله:

"ويقال: عين حوراءَ: إِذا اشتد بياضها وخلص، واشتد سوادها، ولا يقال امرأة حوراءَ إِلا أن تكون مع حور عينها بيضاءَ" انتهى من " معاني القرآن وإعرابه" (1/ 418)

يقول ابن فارس رحمه الله:

"والحورُ: شدة بياض العينين في شدة سوادهما.

قال أبو عمرو: الحور أن تسود العينُ كلها مثل الظباء والبقر. (قال): وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء: حور العيون؛ لأنهن شبهن بالظباء والبقر. قال الأصمعي: ما أدري ما الحور في العين" انتهى من "مجمل اللغة" (ص: 256)

ويقول الراغب الأصفهاني رحمه الله:

"(وَحُورٌ عِينٌ) [الواقعة/22]، جمع أَحْوَرَ وحَوْرَاء، والحَوَر قيل: ظهور قليل من البياض في العين من بين السّواد، وأَحْوَرَتْ عينه، وذلك نهاية الحسن من العين" انتهى من "المفردات في غريب القرآن" (ص: 262)

ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله:

"خالف أبو عمرو أهل اللغة في اشتقاق اللفظة: ورَدَّ الحور إلى السواد. والناس غيره إنما ردوه إلى البياض، أو إلى بياض في سواد. والحور في العين معنى يلتئم من حسن البياض والسواد وتناسبهما، واكتساب كل واحد منهما الحسن من الآخر. عين حوراء إذا اشتد بياض أبيضها، وسواد أسودها، ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون مع حور عينها بياض لون الجسد" انتهى من "حادي الأرواح" (ص219)

ونحن إذ قلنا بترجيح ما ذهب إليه كثير من المفسرين من تفسير "الحور" بلزوم ببياض الجسد، كما في النقولات أعلاه، وكما في الجواب رقم: (60188)، فلم يقل أحد من العلماء إن هذه الصفة لازمة، أو إنها هي الأكمل والأفضل؛ بل إنما جاء القرآن الكريم بها مراعاة للأغلب الأشهر لدى العرب في وصف الجمال الطاهر العفيف، فتستعمل كلمة "الحور العين" لهذه الإشارات التي يفهمها العربي، ويعيها بمجرد سماعها، ويدرك أنها أوصاف جمالية عذرية، لكن دون الدخول في تفاصيل وصف أجزاء الجسم وتحديد معايير الجمال المثالية. فالقرآن الكريم يترفع عن مثل هذا المقام، ولا يجوز لأحد أن ينسب إليه هذا الاشتغال، بل هو كتاب الكنايات الحيية الأديبة، البالغة في الأدب أسمى المقامات، حيث يقتصر على وصف الحور بأنهن (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) الرحمن/56، وأنهن كـ (الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) الرحمن/58، بل و(كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) الواقعة/23، ويكني عن العلاقة الزوجية في أجمل أسرار المودة بين الزوجين بقوله: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) البقرة/187. وقوله سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.

كلها يفهم منها العربي أرقى معاني العلاقة الزوجية، وأسمى ما يمكن أن تبلغه أرواح الأزواج من التآلف والتحابب.

وهكذا الشأن أيضا في وصف الحور العين، إذا فهم العربي منه معنى البياض الكامل وليس بياض العين فقط، فليس المقصود به جعل البياض معيارا نموذجيا مطلقا، وإنما المراد التمثيل على الجمال بما يعرفه العرب في بيئتهم بأخصر عبارة وأعفها، وإلا فحقيقة الأمر أن المقارنة بعيدة جدا – بل وغير متاحة – بين جمال الدنيا وجمال ما في الجنان.

ثم اعلمي ، يا أمة الله ، أن هذا الوصف والحال إنما هو في الجنة ، وليس في أمر الدنيا .

وفي الجنة سيجد كل متنعم في الجنة ما يرغب فيه من النعيم، كما هي عادة القرآن الكريم في استعمال القواعد العامة، والدخول في التفاصيل إنما يقع للتمثيل والتقريب. يقول تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ. يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الزخرف: 70، 71]. ويقول عز وجل: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت: 31، 32]

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب