الحمد لله.
لا شك أن هذه الجملة مضللة عن قيمة المرأة الحقيقية ، ومكانتها في الإسلام .
ومثل هذه الجمل لا تصدر عادة إلا عن أحد صنفين من الناس :
إما عدو للدين يتعمد تشويهه وتلبيسه على المسلمين، وإما جاهل بالدين يروج عن جهل لما يقوله أعداء الدين
وهذا الجهل مركب من جهل بأحكام الإسلام أولا ، وجهل بمكانة المرأة في الإسلام ثانيا .
فأما الجهل بأحكام الإسلام فيتمثل في إيهام الناس بأن الإسلام يحرم على المرأة أن تعمل ، أو أن تتعلم !
وهذا تعميم مضلل ، ذلك بأن الإسلام يبيح للمرأة أن تعمل أو تتعلم ، ولكن بضوابط تدل دلالة واضحة على مكانة المرأة في الإسلام ، وذلك لما فيها من الأحكام التي تصون المرأة عن أطماع مرضى القلوب واللئام .
وقد سبق في الموقع العديد من الأجوبة في ضوابط عمل المرأة برقم (106815) ورقم (245960) ورقم (127880).
وأما الجهل بمكانة المرأة في الإسلام فيتمثل في إيهام الناس بأن الإسلام يجعل من المرأة مجرد شخصية هامشية اعتمادية على الرجال ، فلا شأن لها ولا وزن ولا حقوق ولا رأي في أي مجال ، وهذا أيضا محض تضليل عن حقائق هذا الدين العظيم وتشريعاته المتعلقة بالمرأة .
ذلك بأن قوامة الرجل على المرأة في الإسلام تكليف وليست مجرد تشريف ، فهو مكلف شرعا بصيانتها وحمايتها والنفقة عليها ، وتوفير السكنى الصالحة لمثلها ، والقيام على شؤون ولدها ، ورعايتها وقت صحتها ومرضها ، والإحسان إليها ، وطيب معاشرتها ، والوصاية بها ، ومراعاة مشاعرها .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (70042) ورقم (132959).
والشواهد والأدلة التي تبرهن على مكانة المرأة في الإسلام بغير نظير لها يضاهيها في أي ملة من الملل كثيرة جدا ، فمنها :
حق المرأة في التزويج :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ، وَلاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ )
قَالُوا : كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ : ( أَنْ تَسْكُتَ ) . متفق عليه
قال الحافظ في ) الفتح (:
( أصل الاستئمار طلب الأمر ، فالمعنى : لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها )
وبوب الإمام البخاري رحمه الله في ( الصحيح ) على الحديث بقوله :
"باب لا يُنْكِح الأبُ وغيرُه، البكرَ والثيبَ ؛ إلا برضاهما" .
ومنها حق المرأة في العمل عند الحاجة إليه بالضوابط الشرعية
• عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ رَائِطَةَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُمِّ وَلَدِهِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً صَنَاعَ الْيَدِ ، فَكَانَتْ تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ مِنْ صَنْعَتِهَا ، قَالَتْ: فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:
لَقَدْ شَغَلْتَنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ عَنِ الصَّدَقَةِ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَدَّقَ مَعَكُمْ بِشَيْءٍ،
فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ أَنْ تَفْعَلِي،
فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا، وَلَيْسَ لِي وَلَا لِوَلَدِي وَلَا لِزَوْجِي نَفَقَةٌ غَيْرَهَا، وَقَدْ شَغَلُونِي عَنِ الصَّدَقَةِ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، فَهَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِيمَا أَنْفَقْتُ؟
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ فَإِنَّ لَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ )
رواه أحمد
ومنها حق المرأة في التعلم والتعليم :
• عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ، تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ، قَالَ: ( اجْتَمِعْنَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ) فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ ثُمَّ قَالَ :
( مَا مِنْكُنَّ مِنِ امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلَاثَةً إِلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ )
فَقَالَتِ امْرَأَةٌ : وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ )متفق عليه
• (د) عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمَة عن الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها قالت :
دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ لِي :
( أَلَا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ ) . رواه أبو داود بإسناد صحيح .
• وقال ابن حجر في ( الإصابة في تمييز الصحابة ) في بيان مكانة عائشة رضي الله عنها في العلم والتعليم :
( قال مسروق : رأيت مشيخة أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألون عائشة عن الفرائض.
وقال عطاء بن أبي رباح : كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة.
وقال عروة بن الزبير : ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة.
وقال أبو موسى الأشعري : ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علما.
وقال الزهري : لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.
وقال أبو الزناد : ما رأيت أحدا أروى لشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك!
فقال : ما روايتي في رواية عائشة ؟ ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا ) انتهى
ومنها الحقوق المالية للمرأة
✽ كحق النفقة ، فقوامة الرجال لا تثبت على النساء إلا بالنفقة عليهن
• قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (النساء)
• قال الإمام القرطبي في تفسيره :
( فهم العلماء من قوله تعالى: ( وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها، وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد، لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح. وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة، وهو مذهب مالك والشافعي )
• وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ،
وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ،
وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) رواه مسلم
• وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ ، وَلَا تُقَبِّحْ ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ : " وَلَا تُقَبِّحْ أَنْ تَقُولَ : قَبَّحَكِ اللَّهُ " . رواه أبو داود
✽ وقد أباح الشرع للزوجة أن تأخذ من مال زوجها بالمعروف إن بخل عليها وعلى ولدها
• فعن عائشة رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ ، فَقَالَ : ( خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ) متفق عليه
✽ هذا بخلاف ما لها من حق الصداق
• قال تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء/4
• قال تعالى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) النساء/20-21
✽ وحق التملك والتصرف في مالها
• فعن ابن عباس رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ العِيدِ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي قُرْطَهَا )
متفق عليه
ذلك بأن أمرهن بالزكاة والصدقات دليل على حق التصرف في أموالهن ، وحق التصرف دليل على حق التملك
✽ وحق الميراث
• قال تعالى :( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ) النساء/7.
فهل يعقل بعد هذا جميعا أن يظن ظان أن الإسلام يجعل من المرأة مجرد شخصية هامشية اعتمادية معرضة للضياع في أي وقت بمجرد تخلي الرجل عنها أو معاملته لها على غير ما أمر به الله ؟!!
وفقنا الله وإياكم للفهم عنه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم
والله أعلم .
تعليق