الحمد لله.
أولا:
هذه الشراكة التي تعاقدتم عليها بأن تشتركا في المال والعمل بالبدن، تسمى في الفقه "شركة العنان".
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" شركة العنان: وهي أن يشترك اثنان بماليهما ، ليعملا فيه ببدنيهما ، وربحه لهما ، فينفذ تصرف كل واحد منهما فيهما ، بحكم الملك في نصيبه ، والوكالة في نصيب شريكه " انتهى. "المقنع" (ص 165).
وهذا النوع من الشركة جائز باتفاق العلماء .
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" أجمع أهل العلم على أن الشركة الصحيحة، أن يخرج كل واحد من الشريكين مالاً مثل مال صاحبه، دنانير، أو دراهم، ثم يخلطان ذلك، حتى يصير مالاً واحداً لا يتميز ، على أن يبيعا، ويشتريا ما رأيا من أنواع التجارات ، على أن ما كان فيه من فضل وربح فلهما، وما كان من نقصان فعليهما، فإذا فعلا ذلك صحت الشركة " انتهى، من "الإشراف" (6 / 172).
ثانيا:
إذا اتفق الشريكان على أن يعملا معًا وجب : عليهما الالتزام بذلك ، لما رواه أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ) رواه أبو داود (3594) ، ورواه الترمذي (1352) من حديث عمرو بن عوف، وصححه الألباني في "ارواء الغليل" (5 / 142).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" وهاهنا قضيتان كليتان من قضايا الشرع الذي بعث الله سبحانه به رسوله :
إحداهما: أن كل شرط خالف حكم الله وناقض كتابه : فهو باطل ؛ كائنا ما كان .
والثانية: أن كل شرط لا يخالف حكمه ولا يناقض كتابه ، وهو ما يجوز تركه وفعله بدون الشرط - فهو لازم بالشرط .
ولا يستثنى من هاتين القضيتين شيء، وقد دل عليهما كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق الصحابة رضي الله عنهم " انتهى، " إعلام الموقعين " (5 / 379) .
فإذا تغيب أحد الشريكين عن العمل ولم يلتزم بالشرط؛ فينظر:
فإن كان تغيبه لعذر، فله نصيبه من الربح، ولشريكه الحق في أن يطالبه بإحضار من ينوب عنه في العمل.
فإذا لم يأت بمن ينوب عنه في العمل : استؤجر من يقوم مقامه ، ويخصم من نصيب الشريك أجرة من قام بالعمل مكانه .
وللشريك الآخر : أن يقوم هو بهذا العمل ، بأجرة محددة ، يشارط شريكه عليها .
وأما إذا كان تغيبه بلا عذر، فقد خالف في هذه الحالة الشرط المتفق عليه، فمن العدل أن يخصم منه سهمه من الربح الذي يقابل العمل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه لزاد المستقنع:
" قوله: " وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما " على ما شرطاه إذا كان النصف أو الربع أو الثلث حسب ما شرطاه، مع أن هذا المريض لم يعمل، لكنه ترك العمل لعذر، وهل لصاحبه في هذه الحال أن يفسخ الشركة؟
الجواب: نعم له ذلك، فله أن يفسخ الشركة ، وله أن يطالبه بمن يقوم مقامه، فيقول له: أنت الآن تركت العمل ، فأرسل مكانك أحدا، ولنفرض أنهما نجاران، مرض أحدهما ولم يأت للعمل، فلصاحبه أن يقول له: ائتني ببدلك، من يقوم بالعمل؛ لأن هذه شركة بدن، ولا بد أن يشترك الشريكان في العمل.
وقوله: " وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما " لو ترك العمل لغير عذر، مثل إنسان لا يهتم ، ولا يعمل بدون عذر، فالمذهب الكسب بينهما؛ لأنه يمكن للشريك أن يطالب شريكه بمن يقوم مقامه ولم يفعل، ولكن هذا فيه نظر.
والصواب أن ما كسبه صاحبه في هذا اليوم له، يختص به؛ لأن هذا ترك العمل بغير عذر، والآخر انفرد بالكسب.
فإذا قال قائل: أليس يلزمه أن يطالبه بأن يقيم مقامه من يكون بدله؟
قلنا: بلى، لكن ربما يستحيي الإنسان، وربما يظن أنه ترك العمل لعذر، فيخجل أن يذهب إليه ويطالبه بالعمل .
فلذلك القول الراجح في هذه المسألة أنه إذا ترك العمل لغير عذر، فإنه لا يستحق كسب ذلك الزمن الذي ترك فيه العمل بغير عذر " انتهى. "الشرح الممتع" (9 / 436 - 437).
وعلى هذا ؛ فيكون له الحق في أخذ أجرة المثل عن هذه المدة الطويلة التي تغيب فيها الشريك عن عمله ، أو أخذ نسبة من الأرباح تقابل العمل عن تلك الفترة ، دفعا للضرر عن الشركة ، وتعطل المال عن العمل والربح ، لأجل تغيب الشريك .
وينظر للأهمية جواب السؤال رقم (145181).
فإن تم التراضي بينكما على هذه النسبة ، أو الأجر المذكور ؛ وإلا .. فإنكما تحكمان بينكما رجلا من أهل العلم بالأحكام الشرعية ، وله خبرة بمثل هذا النوع من المشاركات .
والله أعلم.
تعليق