الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

تواتر القراءات السبع، والاكتفاء بصحة السند في إثبات القرآنية

279104

تاريخ النشر : 03-11-2024

المشاهدات : 388

السؤال

وجدنا بعض النقولات في كتب أهل العلم منها ما تخبر بأنه لا يقطع بتواتر كل حرف في القراءات السبع او العشر، كما قال الشوكاني: في \”إرشاد الفحول\” (1/144): \”وقد ادعي تواتر كل واحدة من القراءات السبع, وادعي أيضاً تواتر القراءات العشر, وليس على ذلك أثارة من علم\”، وكذلك ورد كراهة بعض القراءات، كما في المغني (1/354) قال: \” وَلَمْ يَكْرَهْ قِرَاءَةَ أَحَدٍ مِنْ الْعَشْرِ، إلَّا قِرَاءَةَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الْكَسْرِ وَالْإِدْغَامِ، وَالتَّكَلُّفِ، وَزِيَادَةِ الْمَدِّ.\”
فما توجيه هذا الكلام

ملخص الجواب

القراءات السبع متواترة، وبعض العلماء اكتفى بصحة السند في إثبات القرآنية .

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

سبق وذكرنا في أجوبة سابقة (178120)، (177136)، أن جماهير أهل العلم ، من القراء والأصوليين على أن القراءات السبع متواترة .

وقد خالف في ذلك بعضهم كأبي شامة – في قول له – والطوفي والشوكاني .

والقول في ذلك قول عامة أهل العلم، وهو الصواب الذي لا معدِل عنه .

ثانيًا:

يمكن حمل كلام بعض أهل العلم في مسألة التواتر على عدم اشتراطه فحسب في القراءة كدليل لصحتها، وهو قول كثير من أهل العلم، وهو الرأي الذي مال إليه ابن الجزري وصححه، بعد أن كان يقول باشتراط التواتر ؛ بمعنى : أنه قد تكون القراءة صحيحة ، ولو لم تكن متواترة ، وليس أن القراءات السبع ، أو العشر : ليست متواترة ، أو أنه لم يشترط في هذه القراءات المعينة : بلوغ حد التواتر .

يقول ابن الجزري: ” كل قراءة وافقت العربية ، ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ، ولو احتمالا ، وصح سندها = فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين .

ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة : أطلق عليها : ضعيفة ، أو شاذة ، أو باطلة “، النشر: (1/ 9).

وقال: ” (وقولنا) وصح سندها : فإنا نعني به أن يروي تلك القراءةَ : العدلُ الضابط ، عن مثله ، كذا حتى تنتهي، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن ، الضابطين له ، غير معدودة عندهم من الغلط ، أو مما شذ بها بعضهم .

وقد شرط بعضُ المتأخرين التواتر في هذا الركن ، ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وأن ما جاء مجيء الآحاد : لا يثبت به قرآن .

وهذا ما لا يخفى ما فيه، فإن التواتر ، إذا ثبت : لا يُحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين ، من الرسم وغيره ، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف ، متواترا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – : وجب قبوله ، وقُطع بكونه قرآنا، سواء وافق الرسم أم خالفه .

وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف : انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم .

وقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول، ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف “، النشر: (1/ 13).

وقال الإمام الذهبي في نص له مهم عن قراءة يعقوب الحضرمي: ” وكان يقرئ الناس علانية بحرفه بالبصرة، في أيام ابن عيينة، وابن المبارك، ويحيى القطان، وابن مهدي، والقاضي أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، ويحيى اليزيدي، وسليم، والشافعي، ويزيد بن هارون، وعدد كثير من أئمة الدين، فما بلغنا بعد الفحص والتنقيب أن أحدا من القراء، ولا الفقهاء، ولا الصلحاء، ولا النحاة، ولا الخلفاء كالرشيد، والأمين، والمأمون أنكروا قراءته، ولا منعوه منها أصلا، ولو أنكر أحد عليه، لنقل، ولاشتهر، بل مدحها غير واحد، وأقرأ بها أصحابه بالعراق، واستمر إمام جامع البصرة بقراءتها في المحراب سنين متطاولة، فما أنكر عليه مسلم، بل تلقاها الناس بالقبول، ولقد عومل حمزة مع جلالته بالإنكار عليه في قراءته من جماعة من الكبار، ولم يجر مثل ذلك للحضرمي أبدا، حتى نشأ طائفة متأخرون لم يألفوها، ولا عرفوها، فأنكروها – ومن جهل شيئا، عاداه – قالوا: لم تتصل بنا متواترة.

قلنا: اتصلت بخلق كثير متواترة، وليس من شرط التواتر أن يصل إلى الأمة، فعند القراء أشياء متواترة دون غيرهم، وعند الفقهاء مسائل متواترة عن أئمتهم لا يدريها القراء، وعند المحدثين أحاديث متواترة قد لا يكون سمعها الفقهاء، أو أفادتهم ظنا فقط، وعند النحاة مسائل قطعية، وكذلك اللغويون، وليس من جهل علما حجة على من علمه، وإنما يقال للجاهل: تعلم، وسل أهل العلم إن كنت لا تعلم، لا يقال للعالم: اجهل ما تعلم، رزقنا الله وإياكم الإنصاف، فكثير من القراءات تدعون تواترها، وبالجهد أن تقدروا على غير الآحاد فيها، ونحن نقول: نتلو بها، وإن كانت لا تعرف إلا عن واحد؛ لكونها تلقيت بالقبول، فأفادت العلم، وهذا واقع في حروف كثيرة، وقراءات عديدة، ومن ادعى تواترها، فقد كابر الحس، أما القرآن العظيم – سوره وآياته – فمتواتر – ولله الحمد – محفوظ من الله -تعالى- لا يستطيع أحد أن يبدله، ولا يزيد فيه آية، ولا جملة مستقلة، ولو فعل ذلك أحد عمدا، لانسلخ من الدين.

قال الله -تعالى-: {إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون} [الحجر: 9].

وأول من ادعى أن حرف يعقوب من الشاذ: أبو عمرو الداني، وخالفه في ذلك أئمة، وصار في الجملة في المسألة خلاف حادث – والله أعلم – “، سير أعلام النبلاء: (10/ 171).

ثالثًا:

أما كراهة بعض الأئمة لبعض القراءات المتواترة، فتوجيهه ما ذكره الإمام ابن الجزري، أنه من تكلف بعض الرواة عن الأئمة، وقد قيل لحمزة: ” يا أبا عمارة، رأيت رجلاً من أصحابك يهمز حتى انقطع زره أي من التكلف – فقال: لم آمرهم بهذا كله “، وكان يقول لمن يزيد في المد والهمز: ” لا تفعل، أما علمت أن ما كان فوق البياض فهو برص، وما كان فوق الجعودة فهو قطط، وما كان فوق القراءة فليس بقراءة ” المغني: (1/ 492)، وقال الإمام ابن الجزري: ” وأما ما ذكر عن عبد الله بن إدريس وأحمد بن حنبل من كراهة قراءة حمزة، فإن ذلك محمول على قراءة من سمعا منه ناقلاً عن حمزة، وما آفة الأخبار إلا رواتها، قال مجاهد: قال محمد بن الهيثم: والسبب في ذلك أن رجلاً ممن قرأ على سليم حضر مجلس ابن إدريس فقرأ، فسمع ابن إدريس ألفاظاً فيها إفراط في المد والهمز وغير ذلك من التكلف، فكره ذلك ابن إدريس وطعن فيه، قال محمد بن الهيثم:وقد كان حمزة يكره هذا وينهى عنه ” غاية النهاية (1/ 261).

رابعًا:

ذهب بعض العلماء إلى أن في بعض القراءات العشرة ما ليس من قبيل المتواتر، يقول السراج البلقيني: ” وأما ما كان من قبيل تأدية اللفظ من أنواع الإمالة، وأنواع المد، وأنواع تخفيف الهمزة = فليس من المتواتر، وأما أصل المد والإمالة والتخفيف فإنه متواتر، لاشتراك القراء فيه “، مواقع العلوم ، للبلقيني: (60).

وفي ” المدخل “، لابن بدران، (196): ” القراءات السبع متواترة وهو المشهور، وقال ابن الحاجب: هي متواترة فيما ليس من قبيل المد والإمالة وتخفيف الهمزة ونحوها، وهذا خلاف المشهور.

وذهب الطوفي إلى أن القراءات متواترة عن الأئمة السبعة، أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأئمة السبعة فهو محل نظر، فإن أسانيد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم موجودة في كتب القراءات، وهي نقل الواحد عن الواحد، لم تستكمل شروط التواتر، قال: وأبلغ من هذا أنها لم تتواتر بين الصحابة.

قال: واعلم أن بعض من لا تحقيق عنده ينفر من القول بعدم تواتر القراءات ظنا منه أن ذلك يستلزم عدم تواتر القرآن، وليس ذلك بلازم، لأنه فرق بين ماهية القرآن والقراءات، والإجماع على تواتر القرآن “.

يقول الدكتور عبد العزيز قارئ : ” بعض أوجه الأداء التي يصعب حصول التواتر على  نقلها، ولا يُتصور وقوعه؛ كضبط مقادير المدود بالدقة المتناهية المقيسة بالحركات، فإن الاتفاق على ضبط ذلك بتلك الدقة المتناهية شيء فوق طاقة البشر؛ لذلك تجد الروايات مختلفة اختلافًا كبيرًا في مقدار مدِّ المتصل مع أنهم جميعًا مجمعون على وجوب مدِّه “، حديث الأحرف السبعة (129).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب