الحمد لله.
القاعدة في الإجارة أن الأجير المشترك وهو من قُدر نفعه بالعمل –لا بالزمن- له أن يستأجر من الباطن من يقوم بعمله، ما لم يشترط عليه المستأجر أن يقوم بالعمل بنفسه، أو يكون إنما استأجره لخصوصية فيه كالإتقان، فليس له أن ينيب غيره، وإذا فعل ذلك كان غاشا.
قال في "كشاف القناع" (3/ 566): "وإذا تقبّل الأجير عملا في ذمته بأجرة ، كخياطة أو غيرها: فلا بأس أن يقبّله غيره بأقل من أجرته" انتهى.
وقال في (4/ 30) في الأجير المشترك: " (ومن استؤجر لعمل شيء في الذمة ولم يشترط عليه مباشرته ، فمرض، وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله) ليخرج من الحق الواجب في ذمته كالمسلم فيه ، (والأجرة عليه) أي على المريض لأنها في مقابلة ما وجب عليه، ولا يلزم المستأجر إنظاره لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل (إلا فيما يختلف فيه القصد كنسخ، فإنه يختلف باختلاف الخطوط، ولا يلزم المستأجر قبوله) أي قبول عمل غيره لأن الغرض لا يحصل به ...
(وإن شرط) المستأجر (عليه) أي على الأجير (مباشرته : فلا استنابة إذن) لوجود الشرط" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لو أن الإنسان استؤجر على عمل في الذمة، بأن قيل له: نريد أن تنظف هذا البيت كل يوم ولك في الشهر مائة ريال، فاستأجر من ينظف البيت كل يوم على حسب ما حصل عليه العقد لكن بخمسين ريالا، يجوز؛ لأن هذا من جنس ما إذا قلنا: إنه يجوز أن يؤجر بقية مدته بأكثر من الأجرة، وعلى هذا عمل الناس اليوم، تجد الدولة ـ مثلا ـ تتفق مع شركة على تنظيف المساجد، كل مسجد الشهر بكذا وكذا، ثم إن هذه الشركة تأتي بعمال يقومون بما تم عليه العقد بأقل من ربع ما اتفقت الشركة مع الحكومة عليه .
إلا إذا كان الغرض يختلف بالنسبة للمستأجر، فإذا كان يختلف فهذا لا يجوز، مثل: إنسان استأجرته لينسخ لك "زاد المستقنع" [كتاب في الفقه الحنبلي]، وتعرف أن الرجل خطه جيد وأن خطأه قليل، فاستأجر إنسانا خطه جميل يخطه بأقل مما أجرته به. يقول العلماء: إنه لا يجوز؛ لأن العبرة بالنسخ وليس بجمال الخط فحسب، ولكن بجمال الخط ووضع الفواصل والعلامات والإملاء، كم من إنسان خطه من أجمل الخطوط لكن في الإملاء يكتب (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) الفاتحة/7، بالظاء المشالة في الموضعين فهذا خطأ في الإملاء، وكثير من الطلاب خطوطهم جميلة ، لكن في الإملاء ليس عندهم قاعدة، وكثير من الناس خطه رديء ولا يعرف قراءته إلا من تمرن عليه ولكنه في الإملاء جيد .
المهم على كل حال ما يختلف فيه الغرض : لا يجوز لأحد أن يقيم مقامه غيره" انتهى من "الشرح الممتع" (10/ 39).
وعليه ؛ فإذا كان المريض قد أتى لطبيب معين، وأراد منه إجراء العملية، وقد خصه بذلك لثقته في علمه وخبرته وأدائه، أو لما يظنه من ذلك ، من خلال سمعته ، وهذا الغالب على حال الناس : فليس لهذا الطبيب أن يقيم غيره مقامه لا بأجرة ولا مجانا.
ولا شك أن أسلم شيء للطبيب الأصلي ، الذي يزوره المريض ، وهو ليس خبيرا بدائه ، أو ماهرا في إجراء الجراحة : أن يدل المريض على أحسن من يعلمه له ، فهذا من الأمانة الواجبة عليه .
فإن تعذر ذلك ، أو شحت نفوس الأطباء به ، كما هو واقعهم : فالمخرج أن يبين الطبيب للمريض : أنه قد يجري العملية بنفسه أو يجريها غيره، فإن قبل المريض ذلك فلا حرج.
وحيث جاز للطبيب أن يقيم غيره مقامه، جاز لك تقبل هذا العمل، وهو إجارة من الباطن كما تقدم.
فإن لم يفعل ، واستنكف من ذلك ، أو غلبه شحه ، وكنت ماهرا بعملك وطبك ، وكان قيامك بهذه الجراحة أنفع للمريض ، وأسلم له من أن يتولاها هذا الطبيب بنفسه ، أو يستعين بمن هو أقل مهارة : فالذي يظهر أنه لا حرج عليك في قبول هذه الجراحة ، وإجرائها للمريض ، ولو بإشراف الطبيب الآخر ، أو باسمه ، فهذا أنفع للمرضى ، وأسلم لصحتهم ، وأبعد عن المخاطرة بحياتهم ، أو جراحاتهم .
ثم الإثم في ذلك : إنما يكون على الطبيب الأصلي ، الذي تحمل من الأمانة ، ما يعلم أنه ليس أهلا لها .
والله أعلم.
تعليق