الحمد لله.
أولاً:
معنى (بسم الله) أي: أبتدئ عملي مستعينا بالله ، ملتمسا البركة بالبداءة باسمه سبحانه .
ففي جملة "بسم الله" محذوف تقديره : أبتدئ عملي باسم الله ، فالبسملة قبل القراءة تعني : باسم الله أقرأ ، والبسملة قبل الكتابة تعني : باسم الله أكتب ، وكذلك باسم الله أركب ، باسم الله آكل ونحو ذلك .
قال ابن قتيبة في "غريب القرآن" (ص38) : "اختصارً، كأنه قال: أبدأ باسم الله . أو بدأت باسم الله" انتهى .
وفي "معاني القرآن للنحاس" (1/51) : "قال سيبويه : معنى الباء الإلصاق . قال الفراء : موضع الباء نصب ، والمعنى : بدأت باسم الله ، وأبدأ باسم الله" انتهى .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"قوله: بسم الله، الجار والمجرور متعلِّق بمحذوف فعلٍ مؤخَّرٍ مناسبٍ للمقام، فعندما تريد أن تقرأ تقدِّر: بسم الله أقرأُ، وعندما تريد أن تتوضَّأ تقدِّر: بسم الله أتوضَّأُ، وعندما تريد أن تذبحَ تقدِّر: بسم الله أذبحُ، وإنما قَدَّرناه فعلاً، لأن الأصلَ في العمل للأفعال، وقدَّرناه مؤخَّراً لفائدتين:
الأولى: التبرُّكُ بالبَداءة باسم الله سبحانه وتعالى.
الثانية: إفادةُ الحصر؛ لأن تقديم المتعلِّق يُفيد الحصر.
وقدّرناه مناسباً؛ لأنه أدلُّ على المُراد، فلو قلت مثلاً ـ عندما تريد أن تقرأَ كتاباً : بسم الله أبتدئُ، ما يُدْرَى بماذا تبتدئُ؟ لكن: بسم الله أقرأ، يكون أدلَّ على المراد الذي ابتدئ به" انتهى من الشرح الممتع (1/7) .
وينظر جواب السؤال : (21722) .
ولا يصح أن يكون معناه النيابة عن الله ؛ وسياق المواضع التي يُبدأ فيها بـ "بسم الله" يبيّن امتناع هذا في حق الله عز وجل ؛ فلا يصح أن يقال : يأكل فلان نيابة عن الله ، ويفعل كذا وكذا نيابة عن الله ، تعالى الله عن ذلك .
بل حتى في أمر الدين وشرع الله ، وخبره : لم يعط الله عز وجل أحدا ، حق الكلام عنه ، أو النيابة عنه في بيان دينه وشرعه ، إلا لأنبيائه عليهم السلام ؛ فهؤلاء هم المبلغون عن الله وحيه وشرعه لعباده .
ومن سوى الأنبياء فإنما يتكلم باسم نفسه ، ويحكم باجتهاده ، ومبلغ علمه ، وليس متحدثا "باسم الله " جل جلاله .
وفي صحيح مسلم (1731) عن عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ:
( ... وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ .
وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لَا) .
والله أعلم .
تعليق