الحمد لله.
ذَهَبَ جمهور العلماء إِلَى عَدَمِ جَوَازِ تَبْدِيلِ الزَّكَاةِ بِدَفْعِ قِيمَتِهَا بَدَلا مِنْ أَعْيَانِهَا؛ لأنها قد أُمر بها على هذا الوجه، فوجب أداؤها كما أُمر بها.
قال ابن قدامة : " وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ الصَّدَقَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى، فَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ الصَّدَقَةُ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى ، وَكَانَ فِيهِ : فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ , فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ , .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ عَيْنَهَا، لِتَسْمِيَتِهِ إيَّاهَا" انتهى من "المغني" (3/88).
وقال أيضا:
"وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ [أي : الإمام أحمد ] أَنَّهُ لا يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ، فِيمَا عَدَا الْفِطْرَةَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سُئِلَ أَحْمَدُ، عَنْ رَجُلٍ بَاعَ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ.
قَالَ: عُشْرُهُ عَلَى الَّذِي بَاعَهُ.
قِيلَ لَهُ: فَيُخْرِجُ ثَمَرًا، أَوْ ثَمَنَهُ؟
قَالَ: إنْ شَاءَ أَخْرَجَ ثَمَرًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مِنْ الثَّمَنِ.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ.
وَوَجْهُهُ : قَوْلُ مُعَاذٍ لأَهْلِ الْيَمَنِ: "ائْتُونِي بِخَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ ....
"قَالَ سعيد : وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْخُذُ الْعُرُوضَ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ" .
وَلأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَلا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَعْدَ اتِّحَادِ قَدْرِ الْمَالِيَّةِ بِاخْتِلافِ صُوَرِ الأَمْوَالِ" انتهى من "المغني" (3/87).
وقد اختار الإمام البخاري جواز إخراج القيمة في الزكاة، فقال في صحيحه :
" بَابُ العَرْضِ فِي الزَّكَاةِ : وَقَالَ طَاوُسٌ: قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ اليَمَنِ: ائْتُونِي بِعَرْضٍ؛ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ، مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ؛ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". انتهى.
قال ابن حجر " (قَوْلُهُ بَابُ الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ جَوَازُ أَخْذِ الْعَرْضِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا عَدَا النَّقْدَيْنِ، قَالَ ابن رشيد: وَافَقَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةَ، مَعَ كَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِ لَهُمْ ، لَكِنْ قَادَهُ إِلَى ذَلِكَ الدَّلِيلُ".
وقال "هَذَا التَّعْلِيقُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إِلَى طَاوُسٍ، لَكِن طَاوس لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِالتَّعْلِيقِ الْجَازِمِ ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إِلَّا الصِّحَّةَ إِلَى مَنْ عُلِّقَ عَنْهُ ، وَأَمَّا بَاقِي الْإِسْنَادِ فَلَا ، إِلَّا أَنَّ إِيرَادَهُ لَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، يَقْتَضِي قُوَّتَهُ عِنْدَهُ ، وَكَأَنَّهُ عَضَّدَهُ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْبَابِ" انتهى من "فتح الباري" (3/312).
وقد توسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، واختار منع إخراج الزكاة قيمة، إلا إذا كان ذلك للحاجة أو المصلحة .
ينظر : "مجموع الفتاوى" (25/46 -82) .
وأفتى بهذا القول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، ونقلنا فتواه في السؤال رقم: (138684).
وقال الشيخ ابن عثيمين: "هل يجوز إخراج القيمة عن الواجب : عند الحاجة؟
الصحيح أنه لا بأس به ، فيجوز إخراج القيمة إذا احتاج إلى ذلك، مثل أن يقول كم قيمة التبيع؟ قيمته مثلا خمسمائة ريال، يخرج خمسمائة ريال عند الحاجة ، كل الأموال الزكوية عند الحاجة لا بأس بذلك" انتهى "التعليق على الكافي" (2/461) بترقيم الشاملة.
وينظر أيضا: الشرح الممتع (6/148).
وهذا القول الثالث هو الراجح، وبناء عليه؛ يجوز بيع الشاة وتقسيم ثمنها على الفقراء، دفعا للمفسدة التي قد تحصل بسبب اشتراكهم فيها كالنزاعات والخصومات .. وغير ذلك.
والله أعلم.
تعليق