الجمعة 7 جمادى الأولى 1446 - 8 نوفمبر 2024
العربية

هل يجوز إخراج زكاة الغنم نقودا؟

293312

تاريخ النشر : 11-03-2023

المشاهدات : 8775

السؤال

في حال إخراج الزكاة من الغنم، هل يجوز أخذ الشاة المزكاة وبيعها، ومن ثم إعطاء ثمنها للفقراء؛ وذلك لأن من بينهم امرأة، ويصعب جمعها معهم، أو وضع من ينوب عنها في التصرف في قسمها من الشاة؟

الجواب

الحمد لله.

ذَهَبَ جمهور العلماء إِلَى عَدَمِ جَوَازِ تَبْدِيلِ الزَّكَاةِ بِدَفْعِ قِيمَتِهَا بَدَلا مِنْ أَعْيَانِهَا؛ لأنها قد أُمر بها على هذا الوجه، فوجب أداؤها كما أُمر بها.

قال ابن قدامة : " وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ الصَّدَقَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ،  وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى، فَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ الصَّدَقَةُ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى ، وَكَانَ فِيهِ : فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ , فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ , .

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ عَيْنَهَا، لِتَسْمِيَتِهِ إيَّاهَا" انتهى من "المغني" (3/88).

وقال أيضا:

"وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ [أي : الإمام أحمد ] أَنَّهُ لا يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ .

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ، فِيمَا عَدَا الْفِطْرَةَ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سُئِلَ أَحْمَدُ، عَنْ رَجُلٍ بَاعَ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ.

قَالَ: عُشْرُهُ عَلَى الَّذِي بَاعَهُ.

قِيلَ لَهُ: فَيُخْرِجُ ثَمَرًا، أَوْ ثَمَنَهُ؟

قَالَ: إنْ شَاءَ أَخْرَجَ ثَمَرًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مِنْ الثَّمَنِ.

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ.

وَوَجْهُهُ : قَوْلُ مُعَاذٍ لأَهْلِ الْيَمَنِ: "ائْتُونِي بِخَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ ....

"قَالَ سعيد : وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْخُذُ الْعُرُوضَ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ" .

وَلأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَلا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَعْدَ اتِّحَادِ قَدْرِ الْمَالِيَّةِ بِاخْتِلافِ صُوَرِ الأَمْوَالِ" انتهى من "المغني" (3/87).

وقد اختار الإمام البخاري جواز إخراج القيمة في الزكاة، فقال في صحيحه :

" بَابُ العَرْضِ فِي الزَّكَاةِ : وَقَالَ طَاوُسٌ: قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ اليَمَنِ: ائْتُونِي بِعَرْضٍ؛ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ، مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ؛ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". انتهى.

قال ابن حجر " (قَوْلُهُ بَابُ الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ جَوَازُ أَخْذِ الْعَرْضِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا عَدَا النَّقْدَيْنِ، قَالَ ابن رشيد: وَافَقَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةَ، مَعَ كَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِ لَهُمْ ، لَكِنْ قَادَهُ إِلَى ذَلِكَ الدَّلِيلُ".

وقال "هَذَا التَّعْلِيقُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إِلَى طَاوُسٍ، لَكِن طَاوس لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِالتَّعْلِيقِ الْجَازِمِ ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إِلَّا الصِّحَّةَ إِلَى مَنْ عُلِّقَ عَنْهُ ، وَأَمَّا بَاقِي الْإِسْنَادِ فَلَا ، إِلَّا أَنَّ إِيرَادَهُ لَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، يَقْتَضِي قُوَّتَهُ عِنْدَهُ ، وَكَأَنَّهُ عَضَّدَهُ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْبَابِ" انتهى من "فتح الباري" (3/312).

وقد توسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، واختار منع إخراج الزكاة قيمة، إلا إذا كان ذلك للحاجة أو المصلحة .

ينظر : "مجموع الفتاوى" (25/46 -82) .

وأفتى بهذا القول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، ونقلنا فتواه في السؤال رقم: (138684).

وقال الشيخ ابن عثيمين: "هل يجوز إخراج القيمة عن الواجب : عند الحاجة؟

الصحيح أنه لا بأس به ، فيجوز إخراج القيمة إذا احتاج إلى ذلك، مثل أن يقول كم قيمة التبيع؟ قيمته مثلا خمسمائة ريال، يخرج خمسمائة ريال عند الحاجة ، كل الأموال الزكوية عند الحاجة لا بأس بذلك" انتهى "التعليق على الكافي" (2/461) بترقيم الشاملة.

وينظر أيضا: الشرح الممتع (6/148).

وهذا القول الثالث هو الراجح، وبناء عليه؛ يجوز بيع الشاة وتقسيم ثمنها على الفقراء، دفعا للمفسدة التي قد تحصل بسبب اشتراكهم فيها كالنزاعات والخصومات .. وغير ذلك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب