الحمد لله.
أولاً:
لا شك أن العين حق ، وأنها تصيب الإنسان فتؤذيه في نفسه وأهله وماله.
دليل ذلك: ما ثبت عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) رواه مسلم (2188) .
فهذا الحديث جرى مجرى المبالغة في إثبات تأثير العين، وأنها حق، وليست أمرا متوهما، أو مجرد وساوس وخطرات .
وورد عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أشار إليه السائل أنه قال: (العين تدخل الرجل القبر ، وتدخل الجمل القدر).
رواه أبو نعيم في "الحلية" وابن عدي في "الكامل" وحسّنه الألباني في "الصحيحة" (1249) من حديث جابر رضي الله عنه .
قال المناوي رحمه الله: "(العين تدخل الرجل القبر) أي : تقتله؛ فيدفن في القبر .
(وتدخل الجمل القدر) أي: إذا أصابته، مات، أو أشرف على الموت، فذبحه مالكه، وطبخه في القدر" انتهى من "فيض القدير" (4/522).
وقد جاء في القرآن الكريم ما يشير إلى تأثير العين ، فقال تعالى: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ القلم/51.
قال ابن كثير :
" أَيْ: لَيَعِينُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ، بِمَعْنَى: يَحْسُدُونَكَ؛ لِبُغْضِهِمْ إِيَّاكَ، لَوْلَا وِقَايَةُ اللَّهِ لَكَ، وَحِمَايَتُهُ إِيَّاكَ مِنْهُمْ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ إِصَابَتُهَا وَتَأْثِيرُهَا حَقٌّ، بِأَمْرِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَثِيرَةٍ" انتهى من "تفسيره" (8/201) .
والأحاديث في إثبات تأثير العين كثيرة.
وينظر جواب السؤال: (20954) .
ثانيا :
النسخ في الاصطلاح : رفع حكم دليل شرعي ، أو لفظه ، بدليل متراخ عنه.
والنسخ ثابت في الكتاب والسنَّة ، ومحله الأحكام الشرعية.
وأما الأخبار فلا نسخ فيها ؛ لأن الذي يُحدِّث بخبر، ثم يحدث بخبر: آخر ينفي خبره الأول؛ فهو كاذب في أحدهما، أو غالط فيه .
وقد جاء الخبر في كتاب الله تعالى عن حسد اليهود والكفار لنبينا صلى الله عليه وسلم، وعينهم له.
وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في سنته بأن العين حق، وأنها يحصل بسببها أنواع من الأذى للإنسان ، وأرشد إلى علاجها والاسترقاء منها ، وأن قراءة المعوذات وقاية من الإصابة بها ، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أنها حقيقة ثابتة .
فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن العين حق ، ليس حكما شرعيا ، بمعنى أنه ليس أمرا ولا نهيا ، إنما هو خبر عن شيء موجود وثابت ، فلا يدخله النسخ .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
"النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: إِنَّمَا يَكُونان فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا فِي الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ فِي الْأَخْبَارِ الْبَتَّةَ بِحَال" انتهى من "التمهيد" (3/ 215).
وينظر جواب السؤال: (228722).
والله أعلم
تعليق