الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

هل يمكن الحصول على الرزق عن طريق الدعاء دون سعي؟

294476

تاريخ النشر : 29-10-2018

المشاهدات : 98611

السؤال

أنت تقول : إن الرجل لا يستطيع الحصول على الرزق فقط عن طريق الدعاء ، ولكن في سورة آل عمران الله يخبرنا أنه اعتاد إعطاء مريم الرزق دون جهد ، فكيف تفسرون الأمر ؟

الجواب

الحمد لله.

الأصل أن الرزق وغيره : قائم على الأسباب، فلا ينال الرزق إلا بالسعي، كما قال تعالى:  هوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الملك/15

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (8/ 180) :

" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: مناكبها : أطرافها وفجاجها ونواحيها.

وقال ابن عباس وقتادة: مناكبها : الجبال" انتهى.

وروى أحمد (370) ، والترمذي (2344) ، وابن ماجه (4164) عنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ ، تَغْدُو خِمَاصًا ، وَتَرُوحُ بِطَانًا   وصححه الألباني ، وشعيب الأرنؤوط.

وفي الحديث بيان : أن الطير (تغدو) ؛ أي : تذهب في أول النهار بحثا عن الطعام، وهذا من مباشرة الأسباب، مع أن الحديث في بيان تقرير التوكل ، وتصحيح مقامه ؛ فدل على أن الأخذ بالأسباب لاينافي التوكل ، بل هو من تمامه .

وهذا هو الأصل العام الذ ي شرعه الله لعباده ، أن يطلبوا الشيء بأسبابه الشرعية ، والحسية.

وقد يخرق الله العادة ، ويرزق عبدا من عباده ، بلا سبب ولا سعي، معجزة لنبي، أو كرامة لولي.

وهذا هو ما حصل لمريم عليها السلام ؛ فرزقها الله من غير سبب حسي ظاهر ؛ كرامة لها؛ لأنها ليست نبية، في قول الجمهور.

قال الله تعالى:  فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ  آل عمران/37، 38 .

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (4/ 71):

"وكان زكريا ، إذا دخل عليها ، يجد عندها فاكهة الشتاء في القيظ ، وفاكهة القيظ في الشتاء !!

فقال: يا مريم ؛ أنى لك هذا؟

فقالت: هو من عند الله !!

فعند ذلك طمع زكريا في الولد ، وقال: إن الذي يأتيها بهذا ، قادر أن يرزقني ولدا" انتهى.

وقال البغوي رحمه الله في تفسيره (2/ 32):

" قال أهل الأخبار : فلما رأى ذلك زكريا قال: إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة ، في غير حينها ، من غير سبب : لقادر على أن يصلح زوجتي ، ويهب لي ولدا في غير حينه من الكبر ؛ فطمع في الولد" انتهى.

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/ 36):

" وجد عندها رزقا : قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبو الشعثاء، وإبراهيم النخعي، والضحاك، وقتادة، والربيع بن أنس، وعطية العوفي، والسدي [والشعبي]: يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف.

وعن مجاهد - وجد عندها رزقا - أي: علما، أو قال: صحفا فيها علم. رواه ابن أبي حاتم. والأول أصح، وفيه دلالة على كرامات الأولياء، وفي السنة لهذا نظائر كثيرة" انتهى.

والحاصل :

أن الأصل هو أن الرزق لا يأتي إلا بالسعي، إلا أن يكون معجزة ، كنزول المائدة على عيسى عليه السلام، أو تكثير الطعام والماء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كرامة كالذي حصل لمريم .

وقد يكون ذلك استجابة لدعاء يدعو به العبد ، فيرزقه ببركة دعائه ، والدعاء أيضا من جملة الأسباب الشرعية ؛ لكن لا يجوز للعبد أن يعطل أسباب مطالبه الدينية والدنيوية ، اعتمادا على مجرد الدعاء ؛ فإن ذلك أقرب إلى الغرور .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب