الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

هل يتفاضل الملائكة وهل يصح وجود تسلسل هرمي بين الملائكة ؟

295922

تاريخ النشر : 12-01-2020

المشاهدات : 25123

السؤال

هل يوجد في الإسلام مبدأ التسلسل الهرمي للملائكة؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا :الملائكة عباد الله مكرمون ، لهم من الأوصاف ما ذكرها الله في كتابه ، قال تعالى :الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  فاطر/1 .وقال :   تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  الشورى/5 .

ثانيًا :

تفاضل الملائكة فيما بينها: أمر مقرر ثابت، دلت عليه النصوص الشرعية الصحيحة.

ومعنى ذلك: أن بعض الملائكة أفضل من بعض ، وأقرب إلى رب العالمين من بعض ، وكلهم مقربون، مطهرون من العيب والنقصان، أو المخالفة لأمر رب العالمين. قال الله تعالى:   لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ  النساء/ 172.

قال الرازي: " قوله: ( وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) يدل على أن طبقات الملائكة مختلفة في الدرجة والفضيلة، فالأكابر منهم مثل جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، وحملة العرش " ، انتهى ، "التفسير" (11/ 119).

وقال ابن كثير وقد ذكر أقسام الملائكة: " ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش، وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش، وهم الملائكة المقربون كما قال تعالى: ( لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) " انتهى ، من "البداية والنهاية" (1/ 49).

وأفضل المقربين رؤساء الملائكة الثلاثة، الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم في دعائه الذي يفتتح به صلاته إذا قام من الليل فيقول:   اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ..   رواه مسلم (770).

قال ابن القيم في هذا الحديث: " فذكر هؤلاء الثلاثة من الملائكة، لكمال اختصاصهم ، واصطفائهم، وقربهم من الله، وكم من ملك غيرهم في السماوات، فلم يسم إلا هؤلاء الثلاثة.

فجبريل : صاحب الوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل صاحب القطر الذي به حياة الأرض والحيوان والنبات، وإسرافيل صاحب الصور الذي إذا نفخ فيه، أحيت نفخته بإذن الله الأموات وأخرجتهم من قبورهم ". انتهى ، من "زاد المعاد" (1/ 36).

وقد خص الله جبريل وميكائيل في كتابه بالذكر، وعطف ذكرهما على ذكر الملائكة تشريفًا لهما، فقال:  مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ )، البقرة/ 98. وأفضل الملائكة ومقدمهم جبريل عليه السلام، قال الله عز وجل فيه: ( قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ  البقرة/ 97.

فشرفه الله عز وجل بذكره ، وذم أعداءه من اليهود ونحوهم، وذكر سبحانه دليل فضله وتشريفه، وهو وظيفته الشريفة الكريمة: تبليغ الوحي للرسل من الله، فهو الواسطة بين الله ورسوله.

وقد سماه الله في كتابه بأسماء شريفة ووصفه بأوصاف كريمة، قال سبحانه:  قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ   النحل/ 102، فسماه روح القدس .

وقال:   نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ  الشعراء/ 193، فسماه الروح الأمين.

وقال سبحانه:  إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ  التكوير/ 19 - 21.

أي أن القرآن نزل به جبريل عليه السلام ، ووصف سبحانه جبريل بصفات كريمة كلها تقتضي تفضيله على سائر الملائكة، فهو رسول كريم، وذو قوة، وهو مكين المنزلة عند ذي العرش, ومطاع في السموات، تطيعه الملائكة، وأمين على وحي الله ورسالاته .

وقال صلى الله عليه وسلم:   إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدًا نادى جبريل: إن الله قد أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل ، ثم ينادي جبريل في السماء أن الله قد أحب فلاناً ، فأحِبُّوه ، فيحبه أهل السماء  .

وفي هذا الحديث ما لا يخفى من بيان فضل جبريل عليه السلام ، وأنه ليس فقط مبلغا لكلام الله إلى الرسل ، بل وإلى الملائكة أيضًا.

ومن أفضل الملائكة : أهل بدر منهم ، كما في الحديث أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم:   ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين - أو كلمة نحوها - قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة  ،  رواه البخاري (3992) .

انظر: " مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي " : (350)، " الموسوعة العقدية " : (3/ 310).

ثالثًا :

وهناك رؤساء في بعض أصناف الملائكة ، أخبرنا الله بها ، كخزنة جهنم - أعاذنا الله منها - وهم الزبانية ، ورؤساؤهم تسعة عشر، ومقدَّمهم مالك عليهم السلام.

قال الله تعالى:  وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَراً حتَّى إِذَا جَاؤُها فُتِحَتْ أبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا  الزمر/71. وقال تعالى:  وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ غافر/49-50 ، وقال تعالى:فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ   العلق/ 17 - 18، وقال تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ  التحريم/ 6، وقال تعالى:  وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً  المدثر/ 27 - 31، وقال تعالى:  وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ  الزخرف/ 77.

وفي "صحيح مسلم":  يُؤتى بجهنَّم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، كُل زمام في يد سبعين ألف مَلكٍ يَجرُونها   .

انظر: " معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول "، لحافظ بن أحمد الحكمي: (2/ 819).

رابعا:

لا أصل في الإسلام لمصطلح "الترتيب الهرمي" لا بين الملائكة، ولا بين الأنبياء المرسلين.

والترتيب الهرمي للملائكة: إنما يذكر في بعض كتب النصارى، يذكرون في كلامهم عن ملائكة الله المكرمين.

ولا أصل لهذا المفهوم أيضا ، فيما نعلم من دين الله ؛ فإن الملائكة وإن كانوا متفاضلين، وبعضهم أفضل من بعض ، على النحو الذي ذكرنا ، فلا نعلم أن هناك ترتيبا هرميا جامعا للملائكة ، لا في وظائفهم ، ولا في فضائلهم ، فلا نعلم أن أصناف الملائكة ، ينتهون في وظائفهم إلى رؤساء لهم ، ثم هؤلاء ينتهون إلى رؤساء أقل عددا ، وهكذا حتى ينتهون إلى رئيس واحد لهم جميها ، سواء كان هو جبريل ، أو غيره من الملائكة ؛ لا نعلم لذلك أصلا في دين الله عز وجل ، وإنما كل ما نعلمه ما قدمناه من "تفاضل" الملائكة فيما بينهم ؛ وذلك لا يقتضي هذا الترتيب الهرمي المذكور، ولا يقتضي تعلق وظائف بعضهم ببعض.

والقول في ذلك من غير حجة شرعية، ولا سلطان من كتاب الله وسنته، هو قول على الله بغير علم ، وتقدم بين يدي الله ورسوله بما لم ينزل به سلطانا.

وينظر للفائدة: (177709) ورقم (216819) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب