الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

أمية النبي صلى الله عليه وسلم، وأصل اشتقاقها

300639

تاريخ النشر : 10-04-2019

المشاهدات : 39604

السؤال

البعض يقول : إن وصف محمد بالأمى لا يدل على عدم معرفته للقراءة والكتابة ، وإنما نسبة إلى مكة أم القرى ، فآمل التوضيح .

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف/157 .

في هذه الآية الكريمة وصف النبي صلى الله عليه وسلم بصفة " الأمية " ، وقد نقل  الواحدي في " البسيط " (9/396) : اتفاق العلماء أن معناه " الذي لا يكتب ولا يقرأ ".

قال قتادة في تفسير ( النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ) : " وَهُوَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ " ، انتهى .

رواه " الطبري في تفسيره " (10/ 491).

وقد اختلف العلماء في أصل اشتقاق (الأمي)، والمعنى الذي قيل للأمي ، من أجله : " أمي ":

1- فذهب بعضهم إلى أنه إنما قيل له أميًا نسبة إلى أمه دون أبيه .

واختلف هؤلاء في ذلك أيضًا ، فقال بعضهم أنه قيل له " أمي "، لأن الكتابة كانت في الرجال أكثر من النساء، قال الطبري : " وأرى أنه قيل للأمي : أمي ، نسبة له بأنه لا يكتب ؛ إلى أمه، لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتابة دون أبيه " ، انتهى من "تفسير الطبري" (2/ 153).

وقال بعضهم : بل نسبة لحاله حين خرج من بطن أمه . انظر : " تفسير ابن عطية " : (2/462).

2- وذهب بعض العلماء أنه منسوب إلى مكة أم القرى . انظر: " تفسير الماوردي "  (2/268).

3- وقيل هو منسوب إلى أمته، أصله : أمتي ، فسقطت التاء في النسبة ، كما سقطت في المكي والمدني . انظر: "تفسير البغوي"  (3/288).

قال " الطاهر بن عاشور " في " التحرير والتنوير " (9/133):

" والأمي: الذي لا يعرف الكتابة والقراءة.

قيل هو منسوب إلى (الأم) ، أي هو أشبه بأمه ، منه بأبيه، لأن النساء في العرب ما كن يعرفن القراءة والكتابة، وما تعلمنها إلا في الإسلام، فصار تعلم القراءة والكتابة من شعار الحرائر دون الإماء . كما قال عبيد الراعي، وهو إسلامي:

هن الحرائر لا ربات أخمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسور

أما الرجال : ففيهم من يقرأ ويكتب.

وقيل: منسوب إلى الأمة أي الذي حاله حال معظم الأمة، أي الأمة المعهودة عندهم ، وهي العربية، وكانوا في الجاهلية لا يعرف منهم القراءة والكتابة إلا النادر منهم، ولذلك يصفهم أهل الكتاب بالأميين .

والأمية وصف خص الله به من رسله محمدا صلى الله عليه وسلم، إتماما للإعجاز العلمي العقلي الذي أيده الله به ، فجعل الأمية وصفا ذاتيا له ، ليتم بها وصفه الذاتي وهو الرسالة ، ليظهر أن كماله النفساني : كمالٌ لَدُنِّيٌّ، إلهي؛ لا واسطة فيه للأسباب المتعارفة للكمالات، وبذلك كانت الأمية وصف كمال فيه، مع أنها في غيره وصف نقصان، لأنه لما حصل له من المعرفة ، وسداد العقل : ما لا يحتمل الخطأ في كل نواحي معرفة الكمالات الحق، وكان على يقين من علمه، وبينة من أمره  ما هو أعظم مما حصل للمتعلمين؛ صارت أميته آية على كون ما حصل له ، إنما هو من فيوضات إلهية "

ثانيًا :

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ممن يرجع بنفسه لكتب العلم ، ودواوينه ، لأنه باعتراف الخصوم ولد أميًا ، وفي القرآن نفسه : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) العنكبوت/48 .

وليست القراءة والكتابة قيمة ذاتية ، وإنما قيمة القراءة والكتابة : قيمة غائية ؛ تهدف إلى تحصيل العلم ، وهو حاصل لمحمد صلى الله عليه وسلم - عندنا - بالوحي  .

ومع دلالة الآية السابقة على هذه المسألة، إلا أن مما يؤكد تلك القضية أمور، منها :

1- اتخاذه كتابًا للوحي من خاصة صحبه .

2- أنه لم يَعرف موقع اسمه المكتوب في صلح الحديبية .

3- الشهرة المستفيضة بعدم معرفته للكتابة .

وعلى أية حال ، فإن من المتفق عليه ؛ كونه صلى الله عليه وسلم لم يكن يمارس القراءة والكتابة قبل بعثته .

قال ابن تيمية : " وأما الأمور المميزة ، التي هي وسائل وأسباب إلى الفضائل ، مع إمكان الاستغناء عنها بغيرها : فهذه مثل الكتاب ، الذي هو الخط ، والحساب ؛ فهذا إذا فقدها مع أن فضيلته في نفسه لا تتم بدونها وفقدها نقص إذا حصلها واستعان بها على كماله وفضله كالذي يتعلم الخط فيقرأ به القرآن؛ وكتب العلم النافعة أو يكتب للناس ما ينتفعون به: كان هذا فضلًا في حقه وكمالًا. وإن استعان به على تحصيل ما يضره أو يضر الناس ، كالذي يقرأ بها كتب الضلالة ، ويكتب بها ما يضر الناس كالذي يزور خطوط الأمراء والقضاة والشهود: كان هذا ضررا في حقه وسيئة ومنقصة .

وإن أمكن أن يستغنى عنها بالكلية بحيث ينال كمال العلوم من غيرها ، وينال كمال التعليم بدونها: كان هذا أفضل له وأكمل.

وهذه حال نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ) الأعراف/157 ، فإن أميته لم تكن من جهة فقد العلم والقراءة عن ظهر قلب فإنه إمام الأئمة في هذا. وإنما كان من جهة أنه لا يكتب ولا يقرأ مكتوبا. كما قال الله فيه: ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) العنكبوت/48 .

وقد اختلف الناس هل كتب يوم الحديبية بخطه معجزة له ؟ أم لم يكتب ؟

وكان انتفاء الكتابة عنه ، مع حصول أكمل مقاصدها .. من أعظم فضائله ، وأكبر معجزاته .

فإن الله علمه العلم بلا واسطة كتاب ، معجزة له ، ولما كان قد دخل في الكتب من التحريف والتبديل ، وعلم هو صلى الله عليه وسلم أمته الكتاب والحكمة من غير حاجة منه إلى أن يكتب بيده، وأما سائر أكابر الصحابة كالخلفاء الأربعة وغيرهم ، فالغالب على كبارهم الكتابة لاحتياجهم إليها ، إذ لم يؤت أحد منهم من الوحي ما أوتيه ؛ صارت أميته المختصة به كمالا في حقه ، من جهة الغنى بما هو أفضل منها وأكمل ، ونقصا في حق غيره ، من جهة فقده الفضائل التي لا تتم إلا بالكتابة " انتهى من "مجموع الفتاوى " (25/172)، بتصرف .

وقال في تفسير قوله تعالى : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) العنكبوت/48 .

" بين سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة ، وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه ، متواتر عند من غاب عنه ، وبلغته أخباره من جميع الناس : أنه كان أميا لا يقرأ كتابا ، ولا يحفظ كتابا من الكتب ، لا المنزلة ولا غيرها ، ولا يقرأ شيئا مكتوبا ، لا كتابا منزلا ولا غيره ، ولا يكتب بيمينه كتابا ، ولا ينسخ شيئا من كتب الناس المنزلة ولا غيرها .

ومعلوم أن من يُعلم من غيره ، إما أن يأخذ تلقينا وحفظا ، وإما أن يأخذ من كتابه ، وهو لم يكن يقرأ شيئا من الكتب من حفظه ، ولا يقرأ مكتوبا .

والذي يأخذ من كتاب غيره : إما أن يقرأه ، وإما أن ينسخه ، وهو لم يكن يقرأ ولا ينسخ "، انتهى من " الجواب الصحيح " (5/338).

والحاصل من ذلك كله :

أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان أميا، لا يقرأ ولا يكتب ، بالنص المقطوع به ، واتفاق أهل العلم على ذلك.

وأما لماذا سمي (الأمي) : أميا ؟ ومن أين اشتقاق لفظه ؟

فهذا أمر من ملح العلم في هذا الباب ، ونافلته، وليس مما يتعلق بمعرفته كبير أمر في هذا الباب.

وانظر لتمام الفائدة الأجوبة رقم: (219026)، (218079)، (1108).

والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب