الحمد لله.
أولا:
عن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، قال: " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليه وسَلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ البَقَرَةَ، فَقَرَأَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى المِئَةِ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى بَلَغَ المِائَتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ، ثُمَّ قَرَأَ حَتَّى خَتَمَهَا، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَكَانَ رُكُوعُهُ مِثْلَ قِيَامِهِ، وَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ، ثُمَّ سَجَدَ، وَكَانَ سُجُودُهُ مِثْلَ رُكُوعِهِ، فَقَالَ فِي سُجُودَهُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ تَعَوَّذَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَنْزِيهٌ لِلَّهِ سَبَّحَ "، رواه " أحمد في المسند"(23261)، وابن خزيمة في"الصحيح "(586).
فهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تلاوة القرآن ، والتفاعل مع الآيات ، وهو ضرب من التدبر والتفهم للمعنى ، قال السيوطي : " وتسن القراءة بالتدبر والتفهم، فهو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب ..
وصفة ذلك: أن يشغل قلبه بالتفكير في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية ، ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك ، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى، اعتذر واستغفر ، وإذا مر بآية رحمة، استبشر وسأل ، أو عذاب، أشفق وتعوذ ، أو تنزيه نزه وعظم ، أو دعاء تضرع وطلب "، انتهى من "الإتقان"(1/ 369).
والانفعال العام بآية لا بأس به ، كأن يشعر الإنسان بمعنى آية من الآيات ، فيقول: سبحان الله ، أو نحوها من الكلمات الدالة على الانفعال، بما يلائم السياق والمقام .
لكن بشرط ألا يتكلف ذلك، فقد نهينا عن التكلف مطلقا، ثم تكلف الكلام، ولو بالتسبيح أو الدعاء، كلما مر بآية: يضعف استماع هذا القائل، وإنصاته، إن كان مستمعا لقراءة غيره، ويقطع عليه نظام القراءة إن كان هو القارئ.
وأما داخل الصلاة ، فيقول الشيخ ابن باز : " الأفضل الإنصات، إذا كان الإمام يقرأ في صلاة المغرب والعشاء والفجر، أو الجمعة، الأفضل الإنصات، فلا تسبح عند التسبيح والتهليل،
ولا تصل عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا )، فالأفضل الإنصات، ولو صلى على النبي، أو قال: سبحان الله. عند ذكر أسماء الله فلا حرج، لكن ترك هذا أفضل؛ لأن المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قرأ في الجهرية لا يقف عند آية الرحمة، ولا عند آية الوعيد، ولا عند آية الأسماء والصفات بل يستمر، فالأفضل لك أن تستمع ولا تقف، ولا تقل شيئا عند مرور الآيات من الإمام وهو يقرأ، ولا منك وأنت تقرأ في الفرض، أما النافلة: فالأمر واسع كالتهجد بالليل ونحوه، إذا قرأت تقف عند آية الرحمة تسأل، وعند آية الوعيد تتعوذ، وعند أسماء الله تسبح الله، وعند ذكر النبي تصلي عليه، عليه الصلاة والسلام، وهكذا إذا كنت خلف الإمام في مثل التراويح، أو القيام في رمضان وسكت يدعو دعوت أنت، أو إذا سكت يصلي عليه صليت عليه أنت، وإذا استمر تنصت؛ لأنك مأمور بالإنصات " انتهى من" فتاوى نور على الدرب " الشويعر : (12 / 351).
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (85481)، ورقم : (96028) .
والحاصل:
أنه إذا كان الأمر على ما وردت به السنة، من السؤال عند آيات الرحمة، والتعوذ عند أيات العذاب، والتسبيح عند آيات التنزيه: فهو مشروع بلا ريب، خارج الصلاة.
وأما داخل الصلاة: فهو مشروع أيضا في الجملة، وإن اختلف أهل العلم: هل هذا خاص بالنافلة، لأنه هو المنقول في السنة، أو يقاس عليها الفريضة، وهو ما اختاره الشيخ ابن باز وغير واحد من أهل العلم، على ما سبق بيانه في الموقع.
وأما الزيادة على ذلك المسلك، من استخراج دعاء لكل آية: فالذي يظهر أنه لا يشرع، لا سيما إذا كان في الصلاة، لما فيه من التكلف، وقطع نظام التلاوة، وترك الإنصات.
والله أعلم.
تعليق