الحمد لله.
أولا:
لا يجوز للإنسان أن يشهد إلا بما علمه ، برؤية ، أو سماع.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (3/ 875): "ويحرم أن يشهد) أحد (إلا بما يعلمه) لقوله تعالى: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [الزخرف: 86] .
قال المفسرون هنا: وهو يعلم ما شهد به ؛ عن بصيرة وإيقان.
وقال ابن عباس: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة؟ فقال : ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد، أو دع رواه الخلال في جامعه.
والمراد: العلم في أصل المُدْرك ، لا في دوامه ، ولذلك يشهد بالدَّيْن، مع جواز دفع المدين له، وبالإجارة والبيع، مع جواز الإقالة ونحوها. أشار إليه القرافي.
فمُدرك العلم الذي تقع به الشهادات: يكون (برؤية ، أو سماع...
والرؤية: تختص بالفعل ، كقتل وسرقة وغصب وشرب خمر ورضاع وولادة) وعيوب مرئية في نحو مبيع " انتهى مختصرا.
ومن ادعى أن فلانا أو جماعة حرقوا منزله ، طولب بإقامة البينة على ذلك؛ لما روى البخاري (4552) ، ومسلم (1711) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
ولا يحل لمن دعي للشهادة أن يمتنع إلا إذا خاف ضررا معتبرا.
قال في "كشاف القناع" (6/ 405): " (وأداؤها) أي الشهادة في غير حق الله (فرض عين) ، لقوله تعالى: ولا تكتموا الشهادة [البقرة: 283] .
وإن قام بالفرض ، في التحمل ، والأداء ، اثنان : سقط الوجوب (عن الجميع) ، لحصول الغرض.
لكن الأداء فرض عين ، على المذهب ، كما ذكره أولا ، خلافا للموفق ومتابعيه .
(وإن امتنع الكل) ، أي من التحمل أو الأداء : (أثموا) ، لقوله تعالى ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [البقرة: 283].
(ويشترط في وجوب التحمل ، و) وجوب (الأداء : أن يُدعى إليهما من تقبل شهادته) ، لقوله تعالى: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا [البقرة: 282].
(و) أن (يقدر) الشاهد (عليهما ، بلا ضرر يلحقه في بدنه أو ماله أو أهله أو عرضه ، ولا تَبَذُّلٍ في التزكية) ؛ أي : وبلا ضرر يلحقه ، بتبذُّل نفسه ، إذا طُلبَ منه تزكيتها .
فإن حصل له ضرر بشيء من ذلك : لم تجب ؛ لقوله ولا يضار كاتب ولا شهيد [البقرة: 282] " انتهى.
ثانيا:
أما حلفك أنك رأيت من يحرق المنزل، والواقع أنك لم ترهم ، فهذا كذب بيِّن، والحلف على ذلك يمين غموس ، محرمة تحريما عظيما.
روى البخاري (6675) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْكَبَائِرُ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ .
فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من هذا الحلف، ولا كفارة عليك في قول جمهور الفقهاء، وانظر: سؤال رقم : (122321) .
فإن حكم القاضي بتغريم هؤلاء المتهمين ، بناء على حلفك الكاذب ، فهل يلزمك رد المال إليهم؟
هذا هو الأصل فيمن ترتب على كذبه حكم؛ أنه يلزمه رد ما غرمه المتهم بسبب شهادته وحلفه.
لكن إن ثبت لك جزما ، بشهادة ثقتين : أن هؤلاء المغرّمين – بأعيانهم - قد حرقوا بيتك، فلا يلزمك رد شيء إليهم، إن كان ما دفعوه لا يزيد على ثمن إصلاح وإعادة ما أتلف.
والله أعلم.
تعليق