الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حكم العمل في فندق به أغاني ومسبح مختلط

308206

تاريخ النشر : 05-09-2019

المشاهدات : 14351

السؤال

أقاربي يملكون فندقا على الشاطيء يلتزم بالضوابط الشرعية في حدود عدم التعرض للضرر ؛ بمعنى أننا لا نبيع الخمر ولا نوفره ، ولا يكاد يكون أحد يفعل ذلك هنا في البلد المذكورة لديكم في البيانات ، ويتم التأكد أن النزلاء أزواج أو عائلات ، وتوفير حمام سباحة للسيدات فقط ، توفير صلاة الجمعة والجماعة، إلا أن الفندق يشوبه بعض الشيء ، أعني أن الفندق يشغل الأغاني في جزء خارج المطعم ، وفي أوقات محددة ، ويوفر حمامين سباحة آخرين مشترك للرجال والسيدات ، كذلك الشاطيء نفسه مشترك والفندق بلا شك ، وفي الحقيقة بسبب الأحوال في البلد فإنه لا يمكن تغيير أي منكر أكثر من هذا ، وذلك لتفادي الضرر الحاصل إن فعلنا، ما عدا الأغاني فإنه سيكون صعب ، فهل العمل في الفندق بعيدا عن مواطن الشك حلال أم حرام ؟ أنا أعلم حديث الرسول صلى الله عليه و سلم : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) و الحديث يحث على الورع أيضا ، لكن إن طبقته في العمل فإن أقاربي سيحزنون مني إلى أقصى حد ، ونحن مأمورون بصلة الرحم ، وقد لا أجد عمل آخر حقيقة ؟ يرجى العلم أن الفندق له سمعة طيبة جدا ، ويرتاده المتدينون ؛ لما فيه من تلك المميزات كالحشمة والسمت الحسن ، حتى الشاطيء لا يفرق كثيرا عن الشوارع في المدن الغير شاطئية ، فإن ذلك مما عمت به البلوى ، لقد فكرنا في بيع المكان كلية إلا أن من سيأتي بعدنا 99% سيضع خمورا ، ويتم إلغاء كل ما هو محتشم ، كذلك إن تركناه بدون تشغيله ، مع مرور الزمن قد نفقد المكان هذا ، وإن كان هذا الاحتمال قليلا ، فما الحل؟

الحمد لله.

أولا: إنشاء مسبح مشترك بين الرجال والنساء محرّم ومنكر عظيم 

لا يجوز عمل مسبح مشترك بين الرجال والنساء، لا في فندق ولا غيره، وهو منكر فاحش، يجب إزالته، والتوبة منه.

وقد أحسن أصحاب الفندق فيما ذكرت، وعليهم أن يمضوا في طريق الإصلاح وتطييب الكسب، بإغلاق المسبح المشترك، أو التعلل بأنه يحتاج إلى صيانة ونحو ذلك.

والأصل في ذلك: تحريم فعل المنكرات، وتحريم نشرها بين الناس، فإن ذلك يضاعف الإثم.

قال تعالى:  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  المائدة/2 ، وقوله صلى الله عليه وسلم:  مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا  أخرجه مسلم في صحيحه (4831).

ولا شك أن المسبح المشترك في الفندق: من المنكرات البينة، ومن أعظم أسباب الفساد، وتهييج الشهوات، وإحداث الفتنة والزيغ.

فلا يظهر لنا أن يرخص في مثل هذه المسابح المشتركة بحال .

وأما أمر الشاطئ المشترك، خارج الفندق: فلا شأن للفندق فيه ، وكثير مما فيه من الاختلاط، يوجد في الشوارع في مثل هذه البلاد المذكور .

وأما الغناء والموسيقى: فمع أنه محرم، بلا شك ، كما تجده في فتاوى كثيرة في موقعنا، فالذي يظهر لنا : أنه إذا كان الإبقاء على تشغيل الموسيقى والغناء في الجزء الخاص المذكور في الفندق: سوف يحمي الفندق والقائمين عليه من الضرر، ويحفظ جانب الخير والمعروف المشكور الذي يقوم به ، من منع المنكرات العظيمة كالخمر ونحوه، والتحقق من شخصيات النزلاء، لئلا يتخذ مكانا للرذيلة ، ونحو ذلك من الخير والمعروف الذي يقوم به الفندق ، بحسب ما يمكنه : فالأقرب أنه يرخص لكم في هذا التشغيل، إذا كان سيدفع عن الفندق خطر الملاحقة القانونية ، وتسلط الأنظمة المانعة عليه ؛ فيغتفر الوقوع في هذا المنكر، الذي عم وانتشر ، في مكان خاص من الفندق، من أجل الحفاظ على المصلحة الأكبر ، من حفظ المكان لأهله، فلا يضيع عليهم، ولا يتعرض للضرر، أو الإغلاق، أو الملاحقة القانونية.

مع الاجتهاد في تخفيف أمر هذا المنكر ، قدر الطاقة، بأن تخلطوا الغناء والموسيقى، بشيء من المؤثرات الصوتية في بعض الأوقات، والاكتفاء بالموسيقى من غير غناء أحيانا ، والاكتفاء بالرجال عن النساء، ما أمكن ، وهكذا تجتهدون في التقلل منه ، والتقلل مما فيه من الفساد والمخالفة قدر الطاقة .

ومع أن تشغيل هذه الأغاني والموسيقى: عيب، ومخالفة، ومنكر في نفسه ، إلا أن الخطاب بذلك إنما يكون للقادر على منع هذا المنكر، أو إزالته، من غير منكر أكبر منه ، أو فوات معروف هو أعظم منه .

فإن لم يمكن الحفاظ على المكتسبات الشرعية المحمودة في هذا الفندق، إلا بالإبقاء على هذا القدر المنكر، رخص لأهله فيه ، ولم يكونوا مذمومين عليه، ولا كان في حقهم منكرا ومعصية، ما دام تشغيلهم له ، وسماحهم به ، من أجل الحفاظ على مالهم، وعلى هذا المعروف الحاصل، لا رغبة فيه في نفسه، ولا تجانفا للإثم ، مع القدرة على التجافي عنه.

وقد قال الله تعالى :  أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً  الكهف/79 .

يقول الشيخ السعدي رحمه الله: " ومنها: القاعدة الكبيرة أيضا وهي أن " عمل الإنسان في مال غيره، إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة، أنه يجوز، ولو بلا إذن حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير " كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم. فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما، في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدار، فيه سلامة للباقي، جاز للإنسان بل شرع له ذلك، حفظا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز، ولو من غير إذن.". انتهى من "تفسير السعدي" (482).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "  السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/53).

ويقول أيضا: " " قد يقترن بالحسنات سيئات ، إما مغفورة أو غير مغفورة.

وقد يتعذر ، أو يتعسر ، على السالك : سلوك الطريق المشروعة المحضة ، إلا بنوع من المحدث لعدم القائم بالطريق المشروعة ، علما وعملا.

فإذا لم يحصل النور الصافي ، بأن لم يوجد إلا النور الذي ليس بصاف ، وإلا بقي الإنسان في الظلمة.

فلا ينبغي أن يعيب الرجل ، وينهى عن نور فيه ظلمة، إلا إذا حصل نور لا ظلمة فيه؛ وإلا، فكم ممن عدل عن ذلك : يخرج عن النور بالكلية ، إذا خرج غيره عن ذلك؛ لما رآه في طرق الناس من الظلمة" انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 364).

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (241060) ، ورقم : (217609) .

وليس من صورة الضرورة ، ولا مما يبيح لكم الإبقاء على هذا المنكر، أو غيره : رغبة النزلاء، ولا استرضاء رواد الفندق، فإنه لا يجوز استرضاء النزلاء، ولا الاستكثار منهم بأمر فيه معصية لله عز وجل .

وقد كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ: " أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ، وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  مَنِ التَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ  " رواه الترمذي (2414) وصححه الألباني وغيره، وصوب أبو حاتم في العلل وقفه على عائشة.

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ   وراه ابن ماجه (2144) وصححه الألباني.

ثانيا: ما يتعلق بحكم العمل في الفندق 

أما العمل في الفندق، فيجوز بشرط عدم الإعانة على شيء من المنكر، كأن يكون في موضع منه، لا علاقة له بالمسبح ولا بالأغاني، ثم يجتهد العامل في حفظ نظره؛ فإن التبرج مما عمت به البلوى، إلا أن يعسر عليه غض بصره، أو يخشى الفتنة على نفسه مع غض بصره، فيلزمه ترك العمل؛ لأن حفظ الدين مقدم.

واعلم أن من أرضى الناس بسخط الله ، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ، فابذل النصيحة لأقاربك ، وأعنهم على المعروف ما أمكنك ، وأمكنهم ، واحرص على سلامة قلبك ، وحفظ دينك، فليس كل ما يقال إنه جائز ، يفعله المؤمن ، واتق الشبهة ، ما أمكنك ؛ واطلب السلامة لأمر دينك، فالسلامة لا يعدلها شيء .

والحاصل :

أن لا يظهر لنا وجه للرخصة في المسابح المشتركة ، بحال ، ولو أدى ذلك إلى ترك هذا النشاط ، والانصراف إلى غيره من التجارات ، والأعمال المباحة .

وأما الغناء والموسيقى : فقد ذكرنا ما ظهر لنا من وجه الرخصة فيه، إذا كان فيه دفع عن المصالح العديدة من وجود مثل هذا المكان ، وتوفير البيئة الملائمة ، قدر الطاقة ، للأسر الراغبة في مثل ذلك .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب