الحمد لله.
أولًا :
تتجلى صور فرح المؤمنين بلقاء الله تعالى في عدة مشاهد في الدار الآخرة :
فأولى هذه المشاهد: عند الموت؛ قال تعالى : أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ يونس/ 62 - 64 .
وقال سبحانه : وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ النحل/ 30 - 32 .
وقال سبحانه : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ فصلت/ 30 - 32 .
فإذا جاءت ملائكة الرحمن العبد المؤمن بالبشرى من الله، ظهر عليه الفرح والسرور.
أما الكافر والفاجر: فإنه يظهر عليه الضيق والحزن والتعب .
ومن ثم فإن العبد المؤمن في حال الاحتضار: يشتاق إلى لقاء الله ، والعبد الكافر أو الفاجر، يكره لقاء الله تعالى .
فقد روى أنس بن مالك ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت ، قال: ليس كذلك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا حُضِر بُشِّر بعذاب الله وعقوبته ، فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، فكره لقاء الله ، وكره الله لقاءه .
ولذلك فإن العبد الصالح يطالب حامليه بالإسراع به إلى القبر شوقاً منه إلى النعيم ، بينما العبد الطالح ينادي بالويل من المصير الذاهب إليه . ففي صحيح البخاري وسنن النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت: قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمع الإنسان لصعق .
انظر : "القيامة الصغرى لعمر بن سليمان الأشقر" ، (28) ، و"الموسوعة العقدية" (4/ 131).
ثانيًا :
ويفرح المؤمنون في الآخرة بالبشرى لهم بالجنة ، وما أعد الله لهم فيها ، ويتلقون كتبهم بأيمانهم ، وانظر إلى المشهد العظيم لفرح المؤمن بكتابه في قوله سبحانه : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ الحاقة/ 19 - 24 .
ثالثًا :
ومن فرح المؤمنين بلقاء الله ، فرحهم برؤيته ، والنظر إلى وجهه الكريم . قال الله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة يونس/26 .
قال أهل التفسير: الزيادة : النظر إلى وجه الله الكريم .
ويؤيد هذا التفسير ما رواه مسلم في "صحيحه" (181) ، عن صهيب الرومي – رضي الله عنه - : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وقال: إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد: يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن يُنْجِزَكُمُوه. فيقولون: وما هو؟ ألم يُثقِّل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويزحزحنا من النار؟ قال: "فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم .
وقوله في سورة القيامة (23): وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وهي واضحة الدلالة فالمؤمنون يوم القيامة وجوههم نضرة مسرورة تنظر إلى وجه الله سبحانه فيزيدها ذلك نضارة وسرورا.
تعليق