الحمد لله.
أولا:
الصحابة رضي الله عنهم لا يقعون في البدع والمحدثات، بل تعرف البدعة بكونها لم تؤثر عنهم، ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي رحمه الله في رواية الربيع عنه: "والبدعة: ما خالف كتابا، أو سنة ، أو أثرا ، عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم –".
قال ابن القيم بعد نقله: "فجعل ما خالف قول الصحابي بدعة، وسيأتي إن شاء الله تعالى إشباع الكلام في هذه المسألة، وذكر نصوص الشافعي عند ذكر تحريم الفتوى بخلاف ما أفتى به الصحابة، ووجوب اتباعهم في فتاويهم، وأن لا يخرج من جملة أقوالهم، وأن الأئمة متفقون على ذلك" انتهى من "إعلام الموقعين" (1/ 64).
وما جاء عن أفراد منهم من فعل عبادة لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تكون باجتهاد في فهم النص وتطبيقه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن هذا وضع ابن عمر يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتعريف ابن عباس بالبصرة ، وعمرو بن زاذان بالكوفة ؛ فإن هذا ، لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته؛ لم يمكن أن يقال هذا سنة مستحبة؛ بل غايته أن يقال: هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة ، أو مما لا ينكر على فاعله ، لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد ، لا لأنه سنة مستحبة سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته .
أو يقال في التعريف: إنه لا بأس به أحيانا ، لعارض ؛ إذا لم يجعل سنة راتبة.
وهكذا يقول أئمة العلم في هذا وأمثاله: تارة يكرهونه ، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد ، وتارة يرخصون فيه إذا لم يُتخذ سنة" انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/ 281).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في "أحكام الجنائز"، ص242 :
"إن البدعة المنصوص على ضلالتها من الشارع هي:
أ - كل ما عارض السنة ، من الاقوال أو الافعال أو العقائد ، ولو كانت عن اجتهاد.
ب - كل أمر يتقرب إلى الله به، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ج - كل أمر لا يمكن أن يشرع إلا بنص أو توقيف، ولا نص عليه؛ فهو بدعة ، إلا ما كان عن صحابي" انتهى.
ثانيا:
تؤخذ العقيدة من الكتاب والسنة ، على ما فهمه أصحاب النبي صلى الله عليه، كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي حديث الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ رواه أبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وابن ماجه (44) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً) ، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) .
رواه الترمذي (2641) وحسَّنه، وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " (3/ 432)، والعراقي في " تخريج الإحياء " (3/ 284)، والألباني في "صحيح الترمذي".
فجعل المخرج والعصمة والنجاة: في اتباع سنته ، وسنتة خلفائه الراشدين ، وما عليه أصحابه الميامين، رضي الله عنهم.
قال الإمام أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي رحمه الله: " فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار ، في توحيد الله ، ومعرفة أسمائه وصفاته ، وقضائه وقدره ؛ قولًا واحدًا ، وشرعاً ظاهرًا، وهم الذين نقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك حين قال: "عليكم بسنتي".
فكانت كلمة الصحابة على الاتفاق، من غير اختلاف، وهم الذين أُمِرنا بالأخذ عنهم، إذ لم يختلفوا بحمد الله في أحكام التوحيد، وأصول الدين من الأسماء والصفات، كما اختلفوا في الفروع، ولو كان منهم في ذلك اختلاف، لنُقل إلينا كما نُقل إلينا سائر الاختلاف" انتهى. نقله ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص426
وقد سار أئمة الحديث والسنة على ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة، ودونوا ذلك في مدوناتهم ومصنفاتهم، ككتاب التوحيد من "صحيح البخاري" ، و"السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل، و"التوحيد" لابن خزيمة، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة " لللالكائي، و"عقيدة السلف وأصحاب الحديث" للصابوني، و"الشريعة" للآجري، و"الحجة في بيان المحجة " للأصفهاني، وغير ذلك.
وكلها كتب مطبوعة والحمد لله ، فمن أراد النجاة ، وأخذ العقيدة التي كان عليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فليرجع إلى هذه الكتب.
والله أعلم.
تعليق