الحمد لله.
أولاً :
بين الله تعالى مصارف الزكاة ، يقول : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التوبة/60.
وقد سبق بيان هذه المصارف بالتفصيل في جواب السؤال رقم : (46209) .
والغارمون هم المدينون ، فمن عليه دين ، لا يجد له وفاء، فهو مصرف من مصارف الزكاة .
وإذا كان المدين من الأقارب ، كان صرف الزكاة إليه أفضل ، وأكثر ثوابا ، لما ثبت في الأحاديث ، من أن الصدقة على القريب : صدقة ، وصلة .
ثانيا:
لا يجوز إسقاط الدين عن المعسر واحتسابه من الزكاة، ولا يجوز أن يعطيه الزكاة ويشرط عليه أن يعيدها إليه ويسد دينه بها، أو أن يتواطآ على ذلك.
بل لا يجوز أن يقصد المزكي ذلك ، ولو لم يتواطأ مع المدين عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما إسقاط الدين عن المعسر : فلا يجزئ عن زكاة العين بلا نزاع.
لكن إذا كان له دين على من يستحق الزكاة ، فأعطاه منها ، وشارطه أن يعيدها إليه : لم يجز.
وكذا إن لم يشرط ، لكن قصَده المعطي ؛ في الأظهر" انتهى الاختيارات، ضمن "الفتاوى الكبرى" (5/ 373).
وقال ابن قدامة : إلَّا أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ بِالدَّفْعِ إحْيَاءَ مَالِهِ ، أَوْ اسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ : لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَحِقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى نَفْعِهِ " انتهى من "المغني" (2/ 487) .
وعليه : فيجوز أن تعطيه من مال الزكاة ليسد ديونه، دون قصد تحصيل دينك بذلك.
ويجوز لوالدتك أن تفعل ذلك أيضا.
فإن اتفقتَ مع والدتك على إعطاء الزكاة له، أو تواطأتما على ذلك، ليصل إلى كل منكما دينه، فالذي يظهر أن ذلك ممنوع ، ولا شك أن الأحوط البعد منه، على كل حال ، وأن يكتفي أحدكما بإعطاء الزكاة له، أو يُعطيه الزكاة ليسدد ديون أصدقائه.
ثالثا:
لا يجوز تأخير الزكاة إلا قدرا يسيرا للحاجة، وأما تأخيرها مدة شهرين فلا يجوز.
وينظر جواب السؤال رقم : (13981) .
ثم إنه لا ضرر على الدائن أن يأخذ ماله، ثم يبقيه معه حتى يحتاج إليه، فإن خاف إنفاقه فله أن يودعه عند غيره.
وعليه، فإنك تعطي الزكاة لهذا الدائن في وقت إخراج الزكاة، فإن أبى قبولها فأعطِها لغيره، وأعلمه أنه قد لا يتيسر وفاء الدين في الوقت الذي يحتاج فيه المال.
ولك أن تعطيها لأخيك ، وتعلمه أنها لسداد دين فلان حتى لا ينفقها في شأن آخر، ثم إن أخر هو قضاء الدين برغبة الدائن، لم يكن إثم عليك؛ لأنك أخرجت الزكاة في وقتها.
رابعا:
مما ينبغي أن يُعلم : أن دفع زكاة الغارم يجوز فيه وجهان: دفعها للغارم ليسد دينه بنفسه، ودفعها لدائنه مباشرة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " النوع الثاني من أنواع الغارم، الغارم لنفسه؛ أي: لشيء يخصه، فهذا نعطيه مع الفقر، والفقر هنا ليس كالفقر في الصنف الأول، فالفقر هنا: العجز عن الوفاء، وإن كان عنده ما يكفيه ويكفي عياله، لمدة سنة أو أكثر.
فإذا قدرنا أن شخصاً عليه عشرة آلاف ريال، وراتبه ألفا ريال في الشهر، ومؤنته كل شهر ألفا ريال، فهل ندفع عنه عشرة آلاف ريال؟
الجواب: نعم؛ لأنه الآن فقير بالنسبة للدين، فلا نعطيه من الزكاة لفقره؛ لأن راتبه يكفيه ، وإنما نعطيه من أجل الدين ؛ فهو فقير وعاجز عن الوفاء.
وهل يجوز أن نذهب إلى الدائن، ونعطيه ماله دون علم المدين؟
الجواب: نعم يجوز؛ لأن هذا داخل في قوله تعالى: وَفِي الرِّقَابِ [التوبة: 60] فهو مجرور بـ في و الغارمين عطفاً على الرقاب، والمعطوف على ما جر بحرف ، يقدر له ذلك الحرف ؛ فالتقدير وفي الغارمين، و في لا تدل على التمليك، فيجوز أن ندفعها لمن يطلبه.
فإن قال قائل: هل الأولى أن نسلمها للغارم، ونعطيه إياها ليدفعها إلى الغريم، أو ندفعها للغريم؟
فالجواب في هذا تفصيل:
إذا كان الغارم ثقة ، حريصاً على وفاء دينه، فالأفضل بلا شك إعطاؤه إياها ، ليتولى الدفع عن نفسه؛ حتى لا يخجل، ولا يذم أمام الناس.
وإذا كان يخشى أن يفسد هذه الدراهم ، فإننا لا نعطيه، بل نذهب إلى الغريم الذي يطلبه ونسدد دينه" انتهى من "الشرح الممتع" (6/ 234).
والله أعلم.
تعليق