الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

الرد على من يقول إن العبادة تقبل من كل أحد مهما كان اعتقاده

السؤال

هل صحيح ان كل عبادة تقبل من غير نظر الى الاعتقاد ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

هذا القول ظاهره أن العبادة تقبل من الكافر كما تقبل من المؤمن، وهذا باطل قطعا، فإن الكافر لا تقبل عبادته، ولا تصح منه، ولا يثاب عليها في الآخرة، ولكنه يستفيد من أعمال البر في الدنيا، فيطعمه الله بها.

قال تعالى:  وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا   الفرقان/23 . 

وقال:  مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ   إبراهيم/18.

وقال:  وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ  النور/39 .

وقال:  وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ   الزمر/65 . 

وقال تعالى:  وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  البقرة/217 . 

وقال تعالى:  وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ  المائدة/5 .

وقال:  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ  آل عمران/91، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وأخرج مسلم (214) عَنْ عَائِشَةَ قُلْتُ: " يَا رَسُولَ اللهِ ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ:   لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ  .

وروى مسلم (2808) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً ، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا ، وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا   .

 قال النووي رحمه الله في " شرح مسلم " (17/ 150): " أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره: لا ثواب له في الآخرة ، ولا يجازى فيها بشيء من عمله في الدنيا متقربا إلى الله تعالى .

وصرح في هذا الحديث بأن يطعم في الدنيا بما عمله من الحسنات، أي بما فعله متقربا به إلى الله تعالى ، مما لا يفتقر صحته إلى النية ، كصلة الرحم والصدقة والعتق والضيافة وتسهيل الخيرات ونحوها.

وأما المؤمن : فيدخر له حسناته وثواب أعماله إلى الآخرة ، ويجزى بها مع ذلك أيضا فى الدنيا، ولامانع من جزائه بها في الدنيا والآخرة، وقد ورد الشرع به ، فيجب اعتقاده ...

وأما إذا فعل الكافر مثل هذه الحسنات ، ثم أسلم ؛ فإنه يثاب عليها في الآخرة ، على المذهب الصحيح" انتهى .

وقال ابن كثير في تفسير الآية الأولى (6/ 103): "وقوله تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا، وهذا يوم القيامة، حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر، فأخبر أنه لا يتحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال -التي ظنوا أنها منجاة لهم -شيء؛ وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله .

فكل عمل لا يكون خالصا، وعلى الشريعة المرضية، فهو باطل.

فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معا، فتكون أبعد من القبول حينئذ؛ ولهذا قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " انتهى.

وقال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله : " فإن بعضَ الكفارِ يَبَرُّ وَالِدَيْهِ، ويصلُ رَحِمَهُ، وَيقْرِي الضيفَ، ويعينُ المظلومَ، وينفسُ عن المكروبِ، كُلُّ ذلك يقصدُ به وجهَ اللَّهِ، فهذه قُرَبٌ صحيحةٌ موافقةٌ للشرعِ هو مخلصٌ فيها لله، لا ينفعُه اللَّهُ بها يومَ القيامةِ؛ لأن اللَّهَ يقولُ: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا [الفرقان: آية 23] وقال جلَّ وعلا: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود: آية 16] أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ ... [النور: آية 39] كَرَمَادٍ [إبراهيم: الآية 18] ونحو ذلك من الآياتِ.

وقد ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَمَلَ الكافرِ الصالحِ - كأن يَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وينفِّس عن المكروبِ، وَيقْرِيَ الضيفَ، ويعينَ المظلومَ، ويصلَ الرحمَ - يَقْصِدُ بذلك وجهَ اللَّهِ؛ فمثلُ هذا من الأعمالِ الصالحةِ، إذا فَعَلَهُ الكفارُ: أَثَابَهُمُ اللَّهُ به في دارِ الدنيا، فَأَعْطَاهُمْ عرضَ الدنيا من المال،ِ وَأَطْعَمَهُمْ وسقاهم ورزقَهم العافيةَ، ولا يكونُ لهم عِنْدَ اللَّهِ جزاءٌ.

وقد ثَبَتَ هذا المعنَى من حديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي رَوَاهُ عنه أنسٌ، ورواه مسلمٌ في صحيحِه من حديثِ أنسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أن اللَّهَ يُطْعِمُ الكافرَ بعملِه الصالحِ في الدنيا، وَيُثِيبُهُ في الدنيا، فإذا جاء الآخرةَ لم يكن له عملٌ يُجَازَى عليه، أما المسلمُ فَاللَّهُ يُثِيبُهُ بعملِه في الدنيا وَيَدَّخِرُ له في الآخرةِ.

والآياتُ الدالةُ على أن الكفارَ ينتفعونَ بأعمالِهم في الدنيا جاءت في القرآنِ، كقولِه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ [الشورى آية: 20] " انتهى من "العذب المنير" (5/ 570).

وينظر جواب السؤال رقم : (13350) .

ثانيا:

الكافر قد يستجاب دعاؤه، لا سيما إذا كان في حال الاضطرار أو كان مظلوما.

قال تعالى:  فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ  العنكبوت/65 .

وقال:  قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ   الأنعام/63، 64 .

وروى أحمد (12549) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  اتقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافرا، فإنه ليس دونها حجاب   وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (767).

والاعتقاد ليس مرتبطا بالحالة الاجتماعية أو العقلية، كما يزعمه بعض من يروج لهذه الضلالات ؛ وإنما هو أمر جازم، يجب عقد القلب عليه ، تقربا إلى الله تعالى، مهما كانت حالة الإنسان وظروفه الاجتماعية أو الجسدية أو البيئية .

ثم إن العمل قد يحبط ، ويرد على صاحبه لأسباب منها: كونه على غير السنة، ومنها كونه فُعل رياء، فكيف يقال إن العمل يقبل من كل أحد!

وقانا الله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب