الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

حكم النظر إلى الأطفال أو صورهم بشهوة ودليل تحريم ذلك

316186

تاريخ النشر : 28-10-2019

المشاهدات : 27447

السؤال

ما الدليل من القرآن أو السنة الدال على تحريم النظر بشهوة إلى من لا يحرم النظر إليهم في العادة ؟ فهناك من يشكك في هذا الحكم ، ولم أستطع إقناعهم .

الجواب

الحمد لله.

أمر الله الرجال بغض البصر عن النساء، والعكس. قال تعالى:   قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ   النور/30، 31 .

وجاءت السنة بذلك، كما روى مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي" .

وروى أبو داود (2151) ، والترمذي (2777) عَنِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِىٍّ - رضي الله عنه-:   يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ  وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".

والحكمة من ذلك ظاهرة ، وهي سد الذريعة إلى الفساد، فإن النظر قد يترتب عليه ثوران الشهوة، ويتبع ذلك فساد القلب ، وطلب قضاء الشهوة باللمس أو التقبيل أو الفاحشة.

قال ابن القيم رحمه الله :" والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ؛ فإن النظرة تولِّد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولِّد الفكرة شهوة ، ثم تولِّد الشهوة إرادة ، ثم تَقوى فتصير عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، ما لم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل : " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده " انتهى من "الجواب الكافي" ( ص 106 ) .

ولما كان الأمر كذلك منع الفقهاء من كل نظر يؤدي إلى ثوران الشهوة، ولو كان نظرا إلى المحارم ، أو الرجال. وشددوا في أمر النظر إلى الأمرد وهو الغلام حسن الصورة ، لما قد يؤدي إليه من تعلق القلب به، واشتهائه ، وطلب قضاء هذه الشهوة ، كما كان بلاء قوم لوط، وقد عاقبهم الله بما لم يعاقب به أمة من الأمم .

ولا ينتشر اللواط في قوم إلا من تساهلهم في النظر إلى الصور الجميلة، ومصاحبة أهلها.

ولهذا اتفقت كلمة الأئمة على تحريم النظر إلى الأمرد بشهوة ، وجمهورهم على تحريمها إذا خاف ثورانها، ومنهم من حرمها ولو مع أمن ذلك.

 ومن كلام أهل العلم في تحريم النظر إلى المردان:

قال النووي رحمه الله : " وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة ، سواءً كان بشهوةٍ أم لا ، سواءً أمن الفتنة أم خافها ، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين ، نص عليه الشافعي ، وحذاق أصحابه - رحمهم الله تعالى - .

ودليله : أنه في معنى المرأة ، فإنه يُشتهى كما تشتهى ، وصورته في الجمال كصورة المرأة ، بل ربما كان كثيرٌ منهم أحسن صورةً من كثيرٍ من النساء .

بل هم في التحريم أولى ، لمعنى آخر : وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ، ما لا يتمكن مثله في حق المرأة " انتهى من "شرح مسلم " ( 4 / 31 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة : كالنظر إلى وجه ذوات المحارم والمرأة الأجنبية بالشهوة ، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء، أو شهوة التلذذ بالنظر، فلو نظر إلى أمِّه ، وأخته ، وابنته ، يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية: كان معلوماً لكل أحدٍ أن هذا حرام ؛ فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة " انتهى من "مجموع الفتاوى " ( 15 / 413 ).

وقال أيضاً : " ومن كرَّر النظر إلى الأمرد ونحوه ، أو أدامه ، وقال : إني لا أنظر لشهوة : كذب في ذلك ، فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج معه إلى النظر : لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك .

وأما نظرة الفجأة : فهي عفو إذا صرف بصره " انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 15 / 419 ) .

وقال: " فلو ذكرنا ما حصل في مثل هذا من الضرر والمفاسد ، وما ذكره العلماء: لطال. سواء كان الرجل تقيا أو فاجرا؛ فإن التقي يعالج مرارة في مجاهدة هواه ، وخلاف نفسه؛ وكثيرا ما يغلبه شيطانه ونفسه؛ بمنزلة من يحمل حملا لا يطيقه ، فيعذبه ، أو يقتله؛ والفاجر يكمل فجوره بذلك" انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 32 / 249 ).

وقال في "كشاف القناع" (5/ 16): "(وقال الشيخ: الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته، كامرأة) : أي فتحرم ، لخوف الفتنة (ولو لمصلحة تعليم وتأديب ، والمقر مُوَلاه عند من يعاشره كذلك) ، أي مع الخلوة والمضاجعة : (ملعون ديوث. ومن عُرف بمحبتهم ومعاشرة بينهم : يُمنع من تعليمهم) ، سدا للباب .

(وقال أحمد لرجل معه غلام جميل ، هو ابن أخته: الذي أرى لك أن لا يمشي معك في طريق).

وقال ابن الجوزي: كان السلف يقولون في الأمرد : هو أشد فتنة من العذارى، فإطلاق البصر من أعظم الفتن.

وروى الحاكم في تاريخه عن ابن عيينة ، حدثني عبد الله بن المبارك وكان عاقلا من أشياخ أهل الشام ، قال: من أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولا، لم ينج منها آخرا، وإن كان جاهدا.

قال ابن عقيل: الأمرد يَنْفُق [يعني: تدخل فتنته] على الرجال والنساء ؛ فهو شبكة الشياطين في حق النوعين" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والصَّواب: أن مسَّ الأمرد كمسِّ الأُنثى سواء، حتى قال بعض العُلماء: إِنَّ النظر إلى الأمرد حرامٌ مطلقاً ، كالنظر إلى المرأة ، فيجب عليه غَضُّ البصر.

وقال شيخ الإسلام: لا تجوز الخلوةُ بالأمرد، ولو بقصد التَّعليم؛ لأن الشَّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدَّم، وكم من أُناس كانوا قتلى لهذا الأمرد ، فأصبحوا فريسة للشَّيطان والأهواء، وهذه المسألة يجب الحذر منها" انتهى من "الشرح الممتع" (1/ 294).

والحاصل :

أن النظر إلى الصور الجميلة بشهوة ، أو عند خوف ثورانها : محرم، وأن قواعد الشريعة تدل على ذلك، وأن من أرخى لنفسه العنان في ذلك فهو مبتلى، ومن نازع في خطر التأمل في محاسن الصغار، وتكرار النظر إليهم فهو مكابر، ومن ترك ابنه الأمرد ليخلو به معلمه، أو ليضاجعه، فهو ديوث ، أو غافل.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب