الحمد لله.
أولا :
الاستمناء محرم عند جمهور أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" أما الاستمناء : فالأصل فيه التحريم عند جمهور العلماء، وعلى فاعله التعزير؛ وليس مثل الزنا. والله أعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (34 / 229).
وقد سبق في موقعنا بيان تحريم الاستمناء في عدد من الأجوبة، وينظر جواب السؤال رقم : (329).
ثانيا:
من المقرر في الشرع؛ أن الضرورة أو المشقة الشديدة ، يشرع معها جواز مباشرة المحرم الذي هو أقل مفسدة منها.
فلذا نص جماعة من أهل العلم أن الخوف المحقق من الزنا؛ يبيح مباشرة الاستمناء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ونقل عن طائفة من الصحابة والتابعين أنهم رخصوا فيه للضرورة: مثل أن يخشى الزنا فلا يُعصم منه إلا به، ومثل أن يخاف إن لم يفعله أن يمرض، وهذا قول أحمد وغيره.
وأما بدون الضرورة: فما علمت أحدا رخص فيه. والله أعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (34 / 230).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" ... الحاجة نوعان:
أولا: حاجة دينية.
ثانيا: حاجة بدنية.
أما الحاجة الدينية، فهو أن يخشى الإنسان على نفسه من الزنا، بأن يكون في بلد يتمكن من الزنا بسهولة، فإذا اشتدت به الشهوة، فإما أن يطفئها بهذا الفعل، وإما أن يذهب إلى أي مكان من دور البغايا ويزني، فنقول له: هذه حاجة شرعية؛ لأن القاعدة المقررة في الشرع أنه يجب أن ندفع أعلى المفسدتين بأدناهما، وهذا هو العقل؛ فإذا كان هذا الإنسان لابد أن يأتي شهوته، فإما هذا، وإما هذا، فإنا نقول حينئذ: يباح له هذا الفعل للضرورة... " انتهى من "الشرح الممتع" (14 / 318 - 319).
والاضطرار إلى الاستمناء خوفًا من الزنا؛ ينضبط بما يلي:
الأمر الأول: بأن يكون خوفا حقيقيا يتيقن منه صاحبه أو يغلب على ظنه، لأن الأحكام مبناها على اليقين وغلبة الظن، كأن يكون مقامه بمكان يسهل فيه فعل الزنا؛ وبلغت به الشهوة إلى حد عدم قدرته على السيطرة على نفسه.
وليس مجرد تطلع النفس إلى الزنا ، أو ميل القلب إليه؛ فقد يتطلع الشخص إلى الزنا؛ لكنه يعلم من نفسه أنه لن يواقعه؛ لخوفه من عاقبته، أو لحياء يمنعه؛ أو لعدم القدرة إلى الوصول إليه بأن كان في مجتمع مسلم تندر فيه هذه الفاحشة.
الأمر الثاني: بأن يعجز عن سبيل مباح لإزالة هذه الضرورة؛ فالشخص قد يكون مريدا للزنا بسبب مباشرته لأسبابه من النظر إلى المحرمات أو مخالطة النساء الأجنبيات عنه؛ ونحو هذا، فمثل هذا إنما عليه الكف عن فعل أسباب الزنا، لا أن يقع في الاستمناء، وقد يكون الشخص يريد الزنا، وله القدرة على الزواج؛ فهذا عليه أيضا بالزواج، ولا يرخص له في الاستمناء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" ما هي الضرورة؟
الضرورة: أن نعلم أن الإنسان إذا فعل هذا الشيء زالت ضرورته، ونعلم كذلك أنه لا يمكن أن تزول ضرورته إلا بهذا الشيء.
يعني ليس هناك ضرورة تُبيح المُحرَّم إلا بشرطين:
أن نعلم أنه لا تزول ضرورته إلا بهذا الشيء.
وأن نعلم أن ضرورته تزول به " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (17 / 32).
ثالثا:
إذا كان المسلم قد عاهد الله تعالى على الكف عن الاستمناء؛ فعليه أن يصبر قدر طاقته عنه؛ لأن العهد أمره شديد، ونقضه خطير، وليحذر من وساوس النفوس، وتسويل الشيطان، والهوى الكامن.
لكن لو فرض أنه رغم ابتعاده عن كل أسباب الزنا غلبته شهوته وحركته إلى الزنا، وسبيله سهل عليه؛ فأصبح فاقدا للسيطرة على نفسه، وعلم من نفسه أنه سيسلك سبيل الزنا.
فمثل هذا : يرخص له في الاستمناء؛ والمعاهدة لله تعالى رغم شدتها ، وعظيم أمرها : فحكمهما حكم اليمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والعهود والعقود: متقاربة المعنى أو متفقة، فإذا قال أعاهد الله أني أحج العام، فهو نذر وعهد ويمين، وإن قال لا أكلم زيدا فيمين وعهد " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5 / 552).
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (187335).
وعلى ذلك : فمتى كان أمامه خياران لا ثالث لهما : إما الزنا وإما الاستمناء ، فالاستمناء أخف الشرَّين، وأهون الضررين؛ ثم عليه كفارة يمين عن عهده ، وليحذر المكر والخديعة: فإنهما من الشيطان.
والله أعلم.
تعليق