الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

هل يوجد سكرات للموت وفزع يوم القيامة، وهل يناقض هذا رحمة الله تعالى؟

319866

تاريخ النشر : 21-04-2020

المشاهدات : 17700

السؤال

هل يوجد سكرات للموت ؟ وهل الموت مفزع ؟ وهل يوجد فزع آخر عند البعث؟ وهل الفزع يصيب حتى المؤمن، حتى وإذا كان بنسب متفاوتة فأين الرحمة إذا كان لابد من فزع الإنسان ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

عن عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَانَتْ تَقُولُ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ - أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ- فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ  " رواه البخاري (6510).

وهذه السكرات كسائر مصائب الدنيا، فهي للمؤمن خير، إما زيادة في أجره، أو تكفير لذنوبه.

قال ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وفي الحديث أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة ، بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته ، وإما تكفير لسيئاته " انتهى من "فتح الباري" (11 / 363).

وعَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ  رواه البخاري (2999).

لكن المؤمن مع هذه السكرات ، يبشر بالجنة ، فيفرح بلقاء الله تعالى.

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ  .

قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ؟

قَالَ:  لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ  رواه البخاري (6507).

ثانيا:

يوم البعث : هو يوم الفزع الأكبر؛ إلا أن من آمن واتقى ، فإنه يأمن في ذلك اليوم .

قال الله تعالى:  وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ  النمل/87 - 89.

وقال الله تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ، لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ، لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ   الأنبياء/103.

وهذا الفزع وشدائد، يوم القيامة : هو أيضا من الكفارات التي يكفر الله بها عن عباده المؤمنين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" قد دلت نصوص الكتاب والسنة: على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب:

 أحدها: التوبة وهذا متفق عليه بين المسلمين...

السبب الثاني: الاستغفار كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:   إذا أذنب عبد ذنبا فقال: أي رب أذنبت ذنبا فاغفر لي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ... ، وفي صحيح مسلم عنه أنه قال:   لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم  ...

السبب السابع: المصائب التي يكفر الله بها الخطايا في الدنيا كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:  ما يصيب المؤمن من وصب؛ ولا نصب؛ ولا هم؛ ولا حزن؛ ولا غم؛ ولا أذى - حتى الشوكة يشاكها - إلا كفر الله بها من خطاياه  .

السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفر به الخطايا.

السبب التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7 / 487 - 501).

ثالثا:

الله سبحانه وتعالى حكيم رحيم عدل في خلقه وفي شرعه؛ فلا يخلق شيئا إلا وله فيه حكمة توافق عدله ولا تناقض رحمته.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" الله سبحانه حكيم لا يفعل شيئا عبثا ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل،  كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل، وقد دل كلامه وكلام رسوله على هذا وهذا في مواضع لا تكاد تحصى ولا سبيل إلى استيعاب أفرادها ... " انتهى من "شفاء العليل" (ص 190).

والله لا يسأل عمّا يفعل، لكمال عدله وحكمته.

قال الله تعالى:  لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ   الأنبياء/23.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

( وهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وله فيما خلقه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8 / 79).

وما قدره الله تعالى من سكرات الموت أو شدائد وأهوال القبر ويوم القيامة هو دائر بين عدل الله تعالى ورحمته ، فما أصاب المؤمنين من ذلك فهو رحمة ، يكفر الله به ذنوبهم ، ويطهرهم منها ، فيدخلون الجنة .

وما أصاب الكافرين الظالمين من ذلك فهو بسبب ذنوبهم ، فهو عدل .

قال الله تعالى:  وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ، ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ  الأنفال/51.

وقال الله تعالى:  مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ   فصلت /46.

رابعا :

الواجب على المسلم إن استشكل شيئا من أمور دينه أن يتخير الألفاظ التي يسأل بها ، فإذا أشكل على المسلم وجه الرحمة في أمر ما؛ فليعلم أن هناك حكمة الله أعلم بها؛ فهذا من تحقيق العبودية الواجبة.

قال الله تعالى:  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  الذاريات/56.

قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى:

" اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله، على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك " انتهى من "شرح الطحاوية" (ص 261).

وليعلم العبد أن رحمة الله جل جلاله بعباده : هي من أعظم الأصول تقررا، وأظهرها في شرع الله، وقدره. ومن أسمائه التي لا تزال تطرق أذن المسلم مرات ومرات في كل يوم وليلة: الرحمن الرحيم.

قال الله جل جلاله :   كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ   الأنعام/54 .

وقال تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ  الأنعام/147 .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي  رواه البخاري (3194)، ومسلم (2751).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ  رواه البخاري (6469)، ومسلم (2752).

وليست رحمة الله جل جلاله بالأمر المشكل حتى يلبس الشيطان أمرها على العبد ، فليحذر الناصح لنفسه أن يتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقي لها بالا، تهوي به في نار جهنم. وليزم شفتيه عن قول السوء، والتزيد فيما لا نفع فيه ، ولا معنى له ، ولا يستهوينه الشيطان بتزيد من القول، يظن أنه أتى بما لم يأت به الناس، أو أنه افتض أبكار الأفكار، وحير العقلاء بمنطقه وسؤاله.

ولينصح العبد لنفسه، وليخف عليها ؛ فالجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله؛ والنار مثل ذلك!!

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب