الحمد لله.
من ضبط متلبساً بواقعة نصب واحتيال، فإنه يستحق العقوبة، ويلزمه رد ما أخذه بغير حق، والمرجع في ذلك للسطلة القضائية ، أو للجهة المخوّلة بالمحاسبة.
ولا ينبغي فضحه أو التشهير به إلا إذا كان مجاهرا مستهترا، أو خيف أن يوقع غيره في "نصبه" و"احتياله"، إن لم يعلم الناس بأمره، وكان ظاهره الإصرار على جرائمه.
قال النووي رحمه الله: " وأما الستر المندوب إليه هنا : فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد.
فأما المعروف بذلك : فيستحب أن لا يُستر عليه ، بل تُرفع قضيته إلى ولي الأمر ، إن لم يُخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يُطمعه في الإيذاء والفساد ، وانتهاك الحرمات ، وجسارة غيره على مثل فعله" انتهى من "شرح مسلم" (16/ 135).
وقال ابن رجب رحمه الله: "من كان مشتهراً بالمعاصي ، معلناً بها ، لا يُبالي بما ارتكبَ منها، ولا بما قيل له ، فهذا هو الفاجرُ المُعلِنُ ، وليس له غيبة ، كما نصَّ على ذلك الحسنُ البصريُّ وغيره .
ومثلُ هذا لا بأس بالبحث عن أمره ، لِتُقامَ عليه الحدودُ ، صرَّح بذلك بعضُ أصحابنا، واستدلَّ بقولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( واغدُ يا أُنيس على امرأةِ هذا ، فإنِ اعترفت ، فارجُمها ). ومثلُ هذا لا يُشفَعُ له إذا أُخِذَ ، ولو لم يبلغِ السُّلطان ، بل يُترك حتّى يُقامَ عليه الحدُّ لينكفَّ شرُّه ، ويرتدعَ به أمثالُه .
قال مالك : من لم يُعْرَفْ منه أذى للناس ، وإنَّما كانت منه زلَّةٌ ، فلا بأس أنْ يُشفع له ، ما لم يبلغ الإمام ، وأمَّا من عُرِفَ بشرٍّ أو فسادٍ ، فلا أحبُّ أنْ يشفعَ له أحدٌ ، ولكن يترك حتى يُقام عليه الحدُّ ، حكاه ابن المنذر وغيره..." انتهى من "جامع العلوم والحكم"(1/341).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والمراد بالستر: هو إخفاء العيب ، ولكن الستر لا يكون محمودا إلا إذا كان فيه مصلحة ولم يتضمن مفسدة ، فمثلاً : المجرم ؛ إذا أجرم : لا نستر عليه إذا كان معروفاً بالشر والفساد ، ولكن الرجل الذي يكون مستقيماً في ظاهره ، ثم فعل ما لا يحل فهنا قد يكون الستر مطلوباً ؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة ، فالإنسان المعروف بالشر والفساد لا ينبغي ستره ، والإنسان المستقيم في ظاهره ، ولكن جرى منه ما جرى : هذا هو الذي يسن ستره " انتهى من شرح "الأربعين النووية"(1/172) .
وينظر للفائدة : هذه المادة :
http://bit.ly/2W7uCo6
فإذا كنت إنما شهرت بهذا الرجل ، لكونه مجاهرا معروفا بالأذى ، أو خشية ألا يعاقب لو لم تشهر به، أو خشية أن يقع الناس في شره وحبائله، إن لم يُعرف أمره: فلا حرج عليك.
وإن كان غير مجاهر، وتشهيرك لا يفيد في تأكيد عقوبته، أو دفع شره : فقد أخطأت.
وكونه غير مسلم لا يبيح إيذاءه وإسماعه ما يكره، وقد بوب ابن حبان في صحيحه: (ذِكْرُ إِيجَابِ دُخُولِ النَّارِ لِمَنْ أَسْمَعَ أَهْلَ الْكِتَابِ مَا يَكْرَهُونَهُ) ، وساق حديث أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مِنْ سَمَّعَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا دَخَلَ النَّارَ والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق ابن حبان، والألباني في "الصحيحة" برقم (3093).
وقال ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 27): " وَسُئِلَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ غِيبَةِ الْكَافِرِ ؟
فَقَالَ : هِيَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مَحْذُورَةٌ لِثَلاثِ عِلَلٍ : الإِيذَاءُ ، وَتَنْقِيصُ خَلْقِ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لأَفْعَالِ الْعِبَادِ , وَتَضْيِيعُ الْوَقْتِ بِمَا لا يعْنِي .
قَالَ : وَالأُولَى تَقْتَضِي التَّحْرِيمُ , وَالثَّانِيَةُ الْكَرَاهَةُ , وَالثَّالِثَةُ خِلافُ الأَوْلَى .
وَأَمَّا الذِّمِّيُّ ، فَكَالْمُسْلِمِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الإِيذَاءِ ; لأَنَّ الشَّرْعَ عَصَمَ عِرْضَهُ وَدَمَهُ وَمَالَهُ . قَالَ فِي الْخَادِمِ : وَالأُولَى هِيَ الصَّوَابُ . [يعني: أن العلة الأولى - وهي الإيذاء - هي المعتبرة في المنع من ذلك] .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (مَنْ سَمَّعَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَلَهُ النَّارُ) .
وَمَعْنَى ( سَمَّعَهُ ) : أَسْمَعَهُ بِمَا يُؤْذِيهِ , وَلا كَلامَ بَعْدَ هَذَا. أَيْ لِظُهُورِ دَلالَتِهِ عَلَى الْحُرْمَةِ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ : فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَى الأُولَى ، وَيُكْرَهُ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ .
وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ : فَإِنْ كَفَرَ ، فَكَالْحَرْبِيِّ ، وَإِلا : فَكَالْمُسْلِمِ . وَأَمَّا ذِكْرُهُ بِبِدْعَتِهِ : فَلَيْسَ مَكْرُوهًا " انْتَهَى.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (13611)، ورقم : (149306).
والله أعلم.
تعليق