الحمد لله.
هذا الكلام الذي أشار إليه السائل قال به السيوطي رحمه الله ، فإنه ذكر في كتابه "الحاوي" (2/249–256) أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في أواخر الألف السادسة .
وآخر الألف السادسة أي : في النصف الثاني منها . وعلى هذا ، يكون عمر هذه الأمة أكثر من ألف سنة وأقل من ألف وخمسمائة .
قال رحمه الله : " لا يمكن أن تكون المدة ألفاً وخمسمائة أصلاً " اهـ .
يعني : أن المدة لا بد أن تكون أقل من ألف وخمسمائة سنة .
ثم ذكر الأحاديث والآثار التي استدل بها على ذلك، وبعضها من الإسرائيليات التي لا يجوز الاحتجاج بها ، والبعض الآخر ضعيف ، بل حكم عليه أهل العلم بأنه كذب وموضوع .
ومما يدل على بطلان هذا الكلام :
1- لو كان هذا الكلام صحيحاً لكان كل أحد يعلم متى تقوم الساعة . وهذا خلاف ما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية دلالة قطعية أن وقت الساعة لا يعلمه إلا الله . قال الله تعالى : ( يَسْـئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ) . الأحزاب /63 .
قال ابن كثير (3/527) :
يقول تعالى مخبراً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه أنه لا علم له بالساعة وإن سأله الناس عن ذلك، وأرشده أن يردّ علمها إلى الله عز وجل اهـ .
وقال الشنقيطي (6/604) :
ومعلوم أن (إنما) صيغة حصر ، فمعنى الآية : أن الساعة لا يعلمها إلا الله وحده اهـ .
وقال تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبّكَ مُنتَهَـهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـهَا ) النازعات /42-45.
قال ابن كثير (4/736) :
أي: ليس علمها إليك ، ولا إلى أحد من الخلق، بل مردّها ومرجعها إلى الله عز وجل ، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين اهـ .
وقال السعدي : " ولهذا لما كان علم العباد للساعة ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية بل المصلحة في إخفائه عليهم طوى علم ذلك عن جميع الخلق واستأثر بعلمه فقال : ( إِلَى رَبّكَ مُنتهاهَا ) " اهـ .
ومن الأحاديث التي تدل على أن وقت الساعة لا يعلمه إلا الله : حديث جبريل المشهور وفيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لجبريل لما سأله عن الساعة : ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) . رواه مسلم (8) .
2- هذه الآثار التي استدل بها السيوطي رحمه الله قد ضعفها أهل العلم بل حكموا عليها بأنها كذب .
قال ابن القيم في "المنار المنيف" (1/80) وهو يذكر الطرق التي يعرف بها أن الحديث موضوع ، قال :
"ومنها : مخالفة الحديث لصريح القرآن ، كحديث مقدار الدنيا وأنها سبعة آلاف سنة ونحن الآن في الألف السابعة . وهذا من أبين الكذب ، لأنه لو كان صحيحا لكان كل أحد علم أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا مئتان وإحدى وخمسون سنة ، والله تعالى يقول : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ) الأعراف /187" اهـ .
وقال ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (1/25) :
لم يثبت في حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه حدد وقت الساعة بمدة محصورة ، وإنما ذكر شيئاً من أشراطها وأماراتها وعلاماتها اهـ .
وقال أيضاً (2/28) :
والذي في كتب الإسرائيليين وأهل الكتاب من تحديد ما سلف بألوف ومائتين من السنين قد نص غير واحد من العلماء على تخطئتهم فيه وتغليطهم ، وهم جديرون بذلك حقيقيون به ، وقد ورد في حديث : "الدنيا جمعة من جمع الآخرة" ولا يصح إسناده أيضاً ، وكذا كل حديث ورد فيه تحديد لوقت يوم القيامة على التعيين لا يثبت إسناده اهـ .
وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص : 444) :
كل ما ورد مما فيه تحديدٌ لوقت يوم القيامة على التعيين ، فإما أن يكون لا أصل له ، أو لا يثبت إسناده اهـ .
3- ما ذكره السيوطي نفسه يدل على بطلان هذا القول .
فإنه ذكر أن المهدي يظهر بعد الألف بمائتي سنة ، وقد انقضت ألف وأربعمائة سنة ولم يظهر المهدي .
وذكر أن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة ثم تقوم الساعة .
وهذا معناه أن الشمس قد طلعت من مغربها منذ أكثر من عشرين سنة !!
وذكر أن الدجال يظهر على رأس مائة سنة ، وينزل المسيح عيسى ابن مريم فيقتله ، ويبقى بعده أربعين سنة ، وها نحن في المائة الأخيرة –على قوله- وقد انقضى رأسها ولم يخرج الدجال ولم ينزل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام .
وذكر أن مجموع الآيات الكبرى كالدجال ونزول المسيح وطلوع الشمس من مغربها ستكون بداية وقوعها قبل الساعة بأكثر من مائتي سنة !!!
فكل هذا يدل على بطلان هذا التحديد ، وأن الواجب رد علم الساعة إلى الله كما أمر الله بذلك في قوله : ( يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ) الأحزاب /63.
والله تعالى أعلم .
تعليق