الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

ما حجة المالكية في جواز الصور المسطحة التي ليس لها ظل وهل يجوز الأخذ بمذهبهم؟

344172

تاريخ النشر : 22-02-2021

المشاهدات : 66913

السؤال

قرأت جواز رسم الصور المسطحة مع الكراهة في مذهب المالكية وقرأت ما استدلوا به أيضا، فهل يجوز الأخذ بقولهم في هذا الأمر ؟

ملخص الجواب

1. ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى تحريم رسم صور ذوات الأرواح، سواء كانت الصور مجسمة (ذات ظل) ، أو كانت مسطحة، كأن ترسم على قماش أو ورق أو جدار. 2. ذهب المالكية إلى أن الصور المسطحة مكروهة فقط، فإن كانت فيما يمتهن فلا كراهة بل خلاف الأولى. 3. هذه المسألة من مسائل الخلاف السائغ، فمن قلد المالكية فيما ذهبوا إليه، فإنه لا ينكر عليه.

الحمد لله.

أولا:

تحريم رسم صور ذوات الأرواح

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى تحريم رسم صور ذوات الأرواح، سواء كانت الصور مجسمة (ذات ظل) ، أو كانت مسطحة، كأن ترسم على قماش أو ورق أو جدار.

وقد استدل الجمهور بعموم الأدلة في تحريم تصوير ذوات الأرواح، وبغضب النبي صلى الله عليه وسلم وهتكه للستر الذي فيه التصاوير، وهي صورة مسطحة من غير شك.

روى البخاري (6109)، ومسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي البَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ  .

زاد مسلم: قَالَتْ عَائِشَةُ: "فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ". والقرام: الستر.

وروى مسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ، أَوْ فَعُرِفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَمَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟  فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ، تَقْعُدُ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ  ".

والنمرقة: وسادة صغيرة.

والتحريم هنا للوسادة التي فيها صور قبل أن تقطع، جمعا بينه وبين الحديث الذي قبله. وينظر: "فتح الباري" (10/ 390).

وروى البخاري (5955)، ومسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الْأَجْنِحَةِ، فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ".

وهذه أدلة ظاهرة في تحريم الصور المسطحة.

قال الإمام النووي رحمه الله، عند شرحه لحديث عائشة:

" قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام ، شديد التحريم ، وهو من الكبائر؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث.

وسواء صنعه بما يمتهن ، أو بغيره: فصنعته حرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى. وسواء ما كان فى ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها. وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل، وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان: فليس بحرام.

هذا حكم نفس التصوير.

وأما اتخاذ المصوَّر فيه صورة حيوان: فإن كان معلقا على حائط، أو ثوبا ملبوسا أو عمامة، ونحو ذلك مما لا يعد ممتهنا: فهو حرام.

وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة، ونحوها مما يمتهن: فليس بحرام. ولكن: هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت؟ فيه كلام نذكره قريبا إن شاء الله.

ولا فرق فى هذا كله بين ما له ظل، وما لا ظل له.

هذا تلخيص مذهبنا في المسألة. وبمعناه قال جماهير العلماء، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم.

وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل ، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل.

وهذا مذهب باطل؛ فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه: لا يشك أحد أنه مذموم ، وليس لصورته ظل. مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة.

وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم ، وكذلك استعمال ما هى فيه ، ودخول البيت الذي هي فيه؛ سواء كانت رقما فى ثوب أو غير رقم ، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط، ممتهن أو غير ممتهن؛ عملا بظاهر الأحاديث ، لاسيما حديث النمرقة الذي ذكره مسلم.

وهذا مذهب قوي.

وقال آخرون: يجوز منها ما كان رقما في ثوب ، سواء امتهن أم لا ، وسواء علق فى حائط أم لا، وكرهوا ما كان له ظل ، أو كان مصورا في الحيطان وشبهها ، سواء كان رقما أو غيره. واحتجوا بقوله في بعض أحاديث الباب: (إلاما كان رقما في ثوب). وهذا مذهب القاسم بن محمد.

وأجمعوا على منع ما كان له ظل، ووجوب تغييره. قال القاضي: إلا ما ورد في اللعب بالبنات، لصغار البنات ، والرخصة في ذلك. لكن كره مالك شراء الرجل ذلك لابنته.

وادعى بعضهم أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخ بهذه الأحاديث. والله أعلم" انتهى من "شرح النووي" (14/81-82).

وينظر: "الموسوعة الكويتية" (12/ 110).

مذهب المالكية في الصور المسطحة

وذهب المالكية إلى أن الصور المسطحة مكروهة فقط، فإن كانت فيما يمتهن فلا كراهة بل خلاف الأولى.

قال الدردير في "الشرح الكبير" (2/ 337): " وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ، عَاقِلٍ أَوْ غَيْرِهِ، إذَا كَانَ كَامِلَ الأَعْضَاءِ، إذَا كَانَ يَدُومُ إجْمَاعًا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَدُمْ عَلَى الرَّاجِحِ، كَتَصْوِيرِهِ مِنْ نَحْوِ قِشْرِ بِطِّيخٍ. وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ؛ إذْ النَّظَرُ إلَى الْمُحَرَّمِ حَرَامٌ.

بِخِلافِ نَاقِصِ عُضْوٍ، فَيُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَغَيْرِ ذِي ظِلٍّ، كَالْمَنْقُوشِ فِي حَائِطٍ أَوْ وَرَقٍ، فَيُكْرَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَهِنٍ، وَإِلا، فَخِلافُ الأَوْلَى، كَالْمَنْقُوشِ فِي الْفُرُشِ" انتهى.

أدلة المالكية في جواز  الصور المسطحة

واحتج المالكية بجملة أدلة، أهمها دليلان:

1-استثناء الرقم في ثوب.

روى البخاري (5958)، ومسلم (2106) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  إِنَّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ  قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ، رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: " إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (10/ 390): " قال النووي: يجمع بين الأحاديث بأن المراد باستثناء الرقم في الثوب: ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأرواح كصورة الشجر ونحوها اهـ. ويحتمل أن يكون ذلك قبل النهي كما يدل عليه حديث أبي هريرة الذي أخرجه أصحاب السنن وسأذكره في الباب الذي يليه.

وقال ابن العربي: حاصل ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع.

وإن كانت رقما: فأربعة أقوال:

الأول: يجوز مطلقا على ظاهر قوله في حديث الباب (إلا رقما في ثوب).

الثاني: المنع مطلقا حتى الرقم.

الثالث: إن كانت الصورة باقية الهيئة، قائمة الشكل: حرم. وإن قطعت الرأس، أو تفرقت الأجزاء جاز، قال: وهذا هو الأصح.

الرابع: إن كان مما يمتهن جاز، وإن كان معلقا لم يجز" انتهى.

ثم قال في (10/ 392): "وحديث أبي هريرة في السنن وصححه الترمذي وابن حبان أتم سياقا منه ، ولفظه: (أتاني جبريل فقال: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمُر برأس التمثال الذي على باب البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومر بالكلب فليخرج)، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية النسائي: (إما أن تقطع رؤوسها، أو تجعل بسطا توطأ).

وفي هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أن الصورة التي تمتنع الملائكة من دخول المكان: التي تكون فيه باقية على هيئتها، مرتفعة غير ممتهنة، فأما لو كانت ممتهنة أو غير ممتهنة لكنها غيرت من هيئتها، إما بقطعها من نصفها، أو بقطع رأسها فلا امتناع" انتهى.

2- ما جاء في استعمال الستر الذي فيه تصوير بعد هتكه.

والجواب عنه، كما في "الموسوعة الكوييتة" (12/ 110): وأما الاحتجاج لإباحة صنع الصور المسطحة باستعمال النبي صلى الله عليه وسلم الوسادتين اللتين فيهما الصور، واستعمال الصحابة والتابعين لذلك، فإن الاستعمال للصورة - حيث جاز - لا يعني جواز تصويرها؛ لأن النص ورد بتحريم التصوير ولعن المصور، وهو شيء آخر غير استعمال ما فيه الصورة.

وقد علل في بعض الروايات بمضاهاة خلق الله والتشبيه به، وذلك إثم غير متحقق في الاستعمال" انتهى.

وسبق في كلام الإمام النووي، الذي نقلناه بطوله، ما فيه جواب عن ذلك أيضا.

ثانيا:

مسألة التصوير من مسائل الخلاف السائغ

هذه المسألة من مسائل الخلاف السائغ، فمن قلد المالكية فيما ذهبوا إليه، فإنه لا ينكر عليه.

وينظر: جواب السؤال رقم: (177830).

لكن نحن على مذهب الجمهور، فلو سئلنا عن الأخذ بهذا القول، قلنا: لا يجوز، فصور ذوات الأرواح عندنا محرمة، سواء كانت مسطحة أو لها ظل.

فليس معنى أن الخلاف سائغ، وأنه لا ينكر على من خالف، أن من يرى التحريم يقول: يجوز الأخذ بقول المجيزين! فهذا تناقض، وهو خطأ يقع فيه بعض المفتين عن غفلة.

وينبغي أن يعلم أن مذهب الجمهور أن التحريم يتعلق بالصورة الكاملة، فلو رسم صورة ناقصة كمقطوعة النصف وغيره مما لا تبقى معه الحياة، لم يحرم.

قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن قطع رأس الصورة، ذهبت الكراهة. قال ابن عباس: الصورة الرأس ، فإذا قطع الرأس فليس بصورة. وحكي ذلك عن عكرمة.

وقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل، فقال: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل ، وكان في البيت ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب , فمر برأس التمثال الذي على الباب فيقطع، فيصير كهيئة الشجر، ومر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن، ومر بالكلب فليخرج. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإن قطع منه ما لا يبقي الحيوان بعد ذهابه، كصدره أو بطنه، أو جعل له رأس منفصل عن بدنه؛ لم يدخل تحت النهي، لأن الصورة لا تبقي بعد ذهابه، فهو كقطع الرأس.

وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده، كالعين واليد والرجل، فهو صورة داخلة تحت النهي.

وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس، أو رأس بلا بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان ".

انتهى من " المغني" (7/ 216).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب